بترجيع وتحزين ، وكانت الجبال تساعده على نوحه بأصدائها والطير بأصواتها. انتهى. وقوله : كما خلق الكلام في الشجرة ، يعني أن الذي يسمع موسى هو مما خلقه الله في الشجرة من الكلام ، لا أنه كلام الله حقيقة ، وهو مذهب المعتزلة. وأما قوله : تساعده الجبال على نوحه بأصدائها فليس بشيء ، لأن الصدى ليس بصوت الجبال حقيقة ، والله تعالى نادى الجبال وأمرها بأن تؤوب معه ، والصدى لا تؤمر الجبال بأن تفعله ، إذ ليس فعلا لها ، وإنما هو من آثار صوت المتكلم على ما يقوم عليه البرهان. وقال الحسن : معنى (أَوِّبِي مَعَهُ) : سيري معه أين سار ، والتأويب : سير النهار. كأن الإنسان يسير الليل ثم يرجع للسير بالنهار ، أي يردده ، وقال تميم بن مقبل :
لحقنا بحي أوبوا السير بعد ما |
|
رفعنا شعاع الشمس والطرف تجنح |
وقال آخر :
يومان يوم مقامات وأندية |
|
ويوم سير إلى الأعداء تأويب |
وقيل : أوّبي : تصرفي معه على ما يتصرف فيه. فكان إذا قرأ الزبور ، صوتت الجبال معه وأصغت إليه الطير ، فكأنها فعلت ما فعل. وقرأ ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، وابن أبي إسحاق : أوبي ، أمر من أوب : أي رجعي معه في التسبيح ، أو في السير ، على القولين.
فأمر الجبال كأمر الواحدة المؤنثة ، لأن جمع ما لا يعقل يجوز فيه ذلك ، ومنه : يا خيل الله اركبي ، ومنه : يا رب أخرى ، وقد جاء ذلك في جميع ما يعقل من المؤنث ، قال الشاعر :
تركنا الخيل والنعم المفدى |
|
وقلنا للنساء بها أقيمي |
لكن هذا قليل. وقرأ الجمهور : (وَالطَّيْرَ) ، بالنصب عطفا على موضع (يا جِبالُ). قال سيبويه : وقال أبو عمرو : بإضمار فعل تقديره : وسخرنا له الطير. وقال الكسائي : عطفا على (فَضْلاً) ، أي وتسبيح الطير. وقال الزجاج : نصبه على أنه مفعول معه. انتهى ، وهذا لا يجوز ، لأن قبله معه ، ولا يقتضي الفعل اثنين من المفعول معه إلا على البدل أو العطف ، فكما لا يجوز : جاء زيد مع عمرو مع زينب إلا بالعطف ، كذلك هذا. وقرأ السلمي ، وابن هرمز ، وأبو يحيى ، وأبو نوفل ، ويعقوب ، وابن أبي عبلة ، وجماعة من أهل المدينة ، وعاصم في رواية : والطير ، بالرفع ، عطفا على لفظ (يا جِبالُ) ؛ وقيل : عطفا على الضمير في (أَوِّبِي) ، وسوغ ذلك الفصل بالظرف ؛ وقيل : رفعا بالابتداء ، والخبر محذوف ، أي والطير تؤوّب. وإلانة الحديد ، قال ابن عباس وقتادة : صار كالشمع. وقال