(آيَةٌ) : أي علامة دالة على الله وعلى قدرته وإحسانه ووجوب شكره ، أو جعل قصتهم لأنفسهم آية ، إذ أعرض أهلها عن شكر الله عليهم ، فخربهم وأبدلهم عنها الخمط والأثل ثمرة لهم ؛ و (جَنَّتانِ) : خبر مبتدأ محذوف ، أي هي جنتان ، قاله الزجاج ، أو بدل ، قال معناه الفراء ، قال : رفع لأنه تفسير لآية. وقال مكي وغيره ، وضعفه ابن عطية ، ولم يذكر جهة تضعيفه. وقال : (جَنَّتانِ) ابتداء ، وخبره في قوله : (عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ). انتهى. ولا يظهر لأنه نكرة لا مسوغ للابتداء بها ، إلا إن اعتقد إن ثم صفة محذوفة ، أي جنتان لهم ، أو عظيمتان لهم (عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ) ، وعلى تقدير ذلك يبقى الكلام مفلتا مما قبله. وقرأ ابن أبي عبلة : جنتين بالنصب ، على أن آية اسم كان ، وجنتين الخبر. قيل : ووجه كون الجنتين آية نبات الخمط والأثل والسدر مكان الأشجار المثمرة. قال قتادة : كانت بساتينهم ذات أشجار وثمار تسر الناس بظلالها ، ولم يرد جنتين ثنتين ، بل أراد من الجهتين يمنة ويسرة. انتهى. قال الزمخشري : وإنما أراد جماعة من البساتين عن يمين بلدتهم ، وأخرى عن شمالها ، وكل واحدة من الجماعتين في تقاربها وتضامها كأنها جنة واحدة ، كما يكون بلاد الريف العامرة وبساتينها ، أو أراد بستاني كل رجل منهم عن يمين مسكنه وشماله ، كما قال : (جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ) (١). انتهى. قال ابن زيد : لا يوجد فيها برغوث ، ولا بعوض ، ولا عقرب ، ولا تقمل ثيابهم ، ولا تعيا دوابهم ؛ وكانت المرأة تمشي تحت الأشجار ، وعلى رأسها المكتل ، فيمتلىء ثمارا من غير أن تتناول بيدها شيئا. وروي نحو هذا عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس.
(كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ) : قول الله لهم على ألسنة الأنبياء المبعوثين إليهم ، وروي ذلك مع الإيمان بالله ، أو قول لسان الحال لهم ، كما رأوا نعما كثيرة وأرزاقا مبسوطة ، وفيه إشارة إلى تكميل النعمة عليهم ، حيث لم يمنعهم من أكل ثمارها خوف ولا مرض. (وَاشْكُرُوا لَهُ) على ما أنعم به عليكم ، (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) : أي كريمة التربة ، حسنة الهواء ، رغدة النعم ، سليمة من الهوامّ والمضار ، (وَرَبٌّ غَفُورٌ) ، لا عقاب على التمتع بنعمه في الدنيا ، ولا عذاب في الآخرة ، فهذه لذة كاملة خالية عن المفاسد العاجلة والمآلية. وقرأ رويس : بنصب الأربعة. قال أحمد بن يحيى : اسكنوا بلدة طيبة واعبدوا ربا غفورا. وقال الزمخشري : منصوب على المدح. ولما ذكر تعالى ما كان من جانبه من الإحسان إليهم ، ذكر ما كان من جانبهم في مقابلته فقال : (فَأَعْرَضُوا) : أي عما جاء به إليهم أنبياؤهم ،
__________________
(١) سورة الكهف : ١٨ / ٣٢.