وكانوا ثلاثة عشر نبيا ، دعوهم إلى الله تعالى ، وذكروهم نعمه ، فكذبوهم وقالوا : ما نعرف لله نعمة ، فبين كيفية الانتقام منهم. كما قال : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها) (١) ، (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) (٢) ، فسلط الله عليهم الجرذ فأرا أعمى توالد فيه ، ويسمى الخلد ، وخرقه شيئا بعد شيء ، وأرسل سيلا في ذلك الوادي ، فحمل ذلك السد ، فروي أنه كان من العظم ، وكثر به الماء بحيث ملأ ما بين الجبلين ، وحمل الجنات وكثيرا من الناس ممن لم يمكنه الفرار. وروي أنه لما خرق السد كان ذلك سبب يبس الجنات ، فهلكت بهذا الوجه. وقال المغيرة بن حكيم ، وأبو ميسرة : العرم في لغة اليمن جمع عرمة وهي : كل ما بني أو سنم ليمسك الماء. وقال ابن جبير : العرم : المسناة ، بلسان الحبشة. وقال الأخفش : هو عربي ، ويقال لذلك البناء بلغة الحجاز المسناة ، كأنها الجسور والسداد ، ومن هذا المعنى قول الأعشى :
وفي ذاك للمؤتسي أسوة |
|
مآرب عفى عليها العرم |
رجام بنته لهم حمير |
|
إذا جاش دفاعه لم يرم |
فأروى الزروع وأشجارها |
|
على سعة ماؤه إذ قسم |
فصاروا أيادي لا يقدرو |
|
ن منه على شرب طفل فطم |
وقال آخر :
ومن سبأ للحاضرين مآرب |
|
إذا بنوا من دونه سيل العرم |
وقال ابن عباس ، وقتادة ، والضحاك : العرم اسم ، وإن ذلك الماء بعينه الذي كان السد بني به. انتهى. ويمكن أن يسمى الوادي بذلك البناء لمجاورته له ، فصار علما عليه. وقال ابن عباس أيضا : العرم : الشديد ، فاحتمل أن يكون صفة للسيل أضيف فيه الموصوف إلى صفته ، والتقدير : السيل العرم ، أو صفة لموصوف محذوف ، أي سيل المطر الشديد الذي كان عنه السيل ، أو سيل الجرذ العرم ، فالعرم صفة للجرذ. وقيل : العرم اسم للجرذ ، وأضيف السيل إليه لكونه كان السبب في خراب السد الذي حمله السيل ، والإضافة تكون بأدنى ملابسة. وقرأ عروة بن الورد فيما حكى ابن خالويه : العرم ، بإسكان الراء تخفيف العرم ، كقولهم : في الكبد الكبد.
ولما غرق من غرق ، ونجا من نجا ، تفرقوا وتحرفوا حتى ضربت العرب بهم المثل
__________________
(١) سورة الكهف : ١٨ / ٥٧.
(٢) سورة السجدة : ٣٢ / ٢٢.