فقالوا : تفرقوا أيدي سبأ وأيادي سبأ ، قيل : الأوس والخزرج منهم. وعن ابن عباس : كان سيل ذلك الوادي يصل إلى مكة وينتفع به ، وكان سيل العرم في ملك ذي الأذعار بن حسان ، في الفترة بين عيسى ونبينا صلىاللهعليهوسلم. انتهى.
ودخلت الباء في (بِجَنَّتَيْهِمْ) على الزائل ، وانتصب ما كان بدلا ، وهو قوله : (جَنَّتَيْنِ) على المعهود في لسان العرب ، وإن كان كثيرا لمن ينتمي للعلم يفهم العكس حتى قال بعضهم : ولو أبدل ضادا بظاء لم تصح صلاته ، وهو خطأ في لسان العرب ، ولو أبدل ظاء بضاد ، وقد تكلمنا على ذلك في البقرة في قوله : (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ) (١). وسمى هذا المعوض جنتين على سبيل المقابلة ، لأن ما كان فيه خمط وأثل وسدر لا يسمى جنة ، لأنها أشجار لا يكاد ينتفع بها. وجاءت تثنية ذات على الأصح في رد عينها في التثنية فقال : (ذَواتَيْ أُكُلٍ) ، كما جاء (ذَواتا أَفْنانٍ) (٢). ويجوز أن لا ترد فتقول : ذاتا كذا على لفظ ذات ، وتقدم ذكر الخلاف في ضم كاف أكل وسكونها. وقرأ الجمهور : أكل منونا ، والأكل : الثمر المأكول ، فخرجه الزمخشري على أنه على حذف مضاف ، أي أكل خمط قال أو وصف الأكل بالخمط كأنه قيل ذواتي أكل شبع. انتهى. والوصف بالأسماء لا يطرد ، وإن كان قد جاء منه شيء ، نحو قولهم : مررت بقاع عرفج كله. وقال أبو علي : البدل في هذا لا يحسن ، لأن الخمط ليس بالأكل نفسه. انتهى. وهو جائز على ما قاله الزمخشري ، لأن البدل حقيقة هو ذلك المحذوف ، فلما حذف أعرب ما قام مقامه بإعرابه. قال أبو علي : والصفة أيضا كذلك ، يريد لا بجنتين ، لأن الخمط اسم لا صفة ، وأحسن ما فيه عطف البيان ، كأنه بين أن الأكل هذه الشجرة ومنها. انتهى. وهذا لا يجوز على مذهب البصريين ، إذ شرط عطف البيان أن يكون معرفة ، وما قبله معرفة ، ولا يجيز ذلك في النكرة من النكرة إلا الكوفيون ، فأبو علي أخذ بقولهم في هذه المسألة. وقرأ أبو عمرو : أكل خمط بالإضافة : أي ثمر خمط. وقرىء : وأثلا وشيئا بالنصب ، حكاه الفضل بن إبراهيم ، عطفا على جنتين. وقليل صفة لسدر ، وقلله لأنه كان أحسن أشجاره وأكرم ، قاله الحسن ، وذلك إشارة إلى ما أجراه عليهم من تخريب بلادهم ، وإغراق أكثرهم ، وتمزيقهم في البلاد ، وإبدالهم بالأشجار الكثيرة الفواكه الطيبة المستلذة ، الخمط والأثل والسدر. ثم ذكر سبب ذلك ، وهو كفرهم بالله وإنكار نعمه. (وَهَلْ نُجازِي) بذلك العقاب (إِلَّا الْكَفُورَ) : أي المبالغ في الكفر ، يجازي بمثل فعله قدرا بقدر ، وأما المؤمن
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٠٨.
(٢) سورة الرحمن : ٥٥ / ٤٨.