كان يحتاج إلى هذا التقدير ، وإن مع ما يصلح أن يكون خبرا لأن اسمها عطف عليه بأو ، والخبر معطوف بأو ، فلا يحتاج إليه. وذهب أبو عبيدة إلى أن أو بمعنى الواو ، فيكون من باب اللف والنشر ، والتقدير : وإنا لعلى هدى ، وإياكم في ضلال مبين ، فأخبر عن كل بما ناسبه ، ولا حاجة إلى إخراج أو عن موضوعها. وجاء في الهدى بعلى ، لأن صاحبه ذو استعلاء ، وتمكن مما هو عليه ، يتصرف حيث شاء. وجاء في الضلال بعن لأنه منغمس في حيرة مرتبك فيها لا يدري أين يتوجه.
(قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا) هذا أدخل في الإنصاف وأبلغ من الأول ، وأكثر تلطفا واستدراجا ، حيث سمى فعله جرما ، كما يزعمون ، مع أنه مثاب مشكور. وسمى فعلهم عملا ، مع أنه مزجور عنه محظور. وقد يراد بأجرمنا نسبة ذلك إلى المؤمنين دون الرسول ، وذلك ما لا يكاد يخلو المؤمن منه من الصغائر ، والذي تعملون هو الكفر وما دونه من المعاصي الكبائر. قيل : وهذه الآية منسوخة بآية السيف. (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا) : أي يوم القيامة ، (ثُمَّ يَفْتَحُ) : أي يحكم ، (بِالْحَقِ) : بالعدل ، فيدخل المؤمنين الجنة والكفار النار. (وَهُوَ الْفَتَّاحُ) : الحاكم الفاصل ، (الْعَلِيمُ) بأعمال العباد. والفتاح والعليم صيغتا مبالغة ، وهذا فيه تهديد وتوبيخ. تقول لمن نصحته وخوفته فلم يقبل : سترى سوء عاقبة الأمر. وقرأ عيسى : الفاتح اسم فاعل ، والجمهور : الفتاح.
(قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ) : الظاهر أن أرى هنا بمعنى أعلم ، فيتعدى إلى ثلاثة : الضمير للمتكلم هو الأول ، والذين الثاني ، وشركاء الثالث ، أي أروني بالحجة والدليل كيف وجه الشركة ، وهل يملكون مثقال ذرة أو يرزقونكم؟ وقيل : هي رؤية بصر ، وشركاء نصب على الحال من الضمير المحذوف في ألحقتم ، إذ تقديره : ألحقتموهم به في حال توهمه شركاء له. قال ابن عطية : وهذا ضعيف ، لأن استدعاء رؤية العين في هذا لا غناء له. وقال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى قوله : أروني ، وكان يراهم ويعرفهم؟ قلت : أراد بذلك أن يريهم الخطأ العظيم في إلحاق الشركاء بالله ، وأن يقايس على أعينهم بينه وبين أصنامهم ، ليطلعهم على حالة القياس إليه والإشراك به. و (كَلَّا) : ردع لهم عن مذهبهم بعد ما كسره بإبطال المقايسة ، كما قال إبراهيم : (أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) (١) ، بعد ما حجهم ، وقد نبه على تفاحش غلطهم ، وأن يقدروا الله حق قدره بقوله : (هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ، كأنه قال : أي الذين ألحقتم به شركاء من هذه الصفات؟ وهو
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٦٧.