والجزاء على الأعمال. والظاهر أن الضمير في (وَقالُوا) عائد على المترفين ؛ وقيل : عائد على قريش ، ويدل عليه ما بعده من الخطاب في قوله : (قُلْ) ، لأن من تقدم من المترفين الهالكين لا يخاطبون ، فلا يقول إلا الموجودون ، وقوله : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ) ؛ واحتجوا على رضا الله عنهم بإحسانه تعالى إليهم ، فلو لم يتكرم عليهم ما بوسع علينا ، وأما أنتم فلهوانكم عليه حرمكم أيها التابعون للرسل. ثم نقول : إن يعذبوا نفيا عاما ، لأن الأنبياء قد ينذرون بعذاب عاجل في الدنيا ، أو آجل في الآخرة ، فنفوا هم جميع ذلك. فإما أن يكونوا منكرين للآخرة ، فقد نفوا تعذيبهم فيها ، لأنها إذا لم تكن ، فلا يكون فيها عذاب. وإما أن يكونوا مقرين بها حقيقة ، أو على سبيل الفرض ، فيقولون : كما أنعم علينا في الدنيا ، ينعم علينا في الآخرة على حالة الدنيا قياسا فاسدا ، فأبطل الله ذلك بأن الرزق فضل منه يقسم علينا في الآخرة على حالة الدنيا ، كما شاء. (لِمَنْ يَشاءُ) ، فقد يوسع على العاصي ويضيق على الطائع ، وقد يوسع عليهما ، والوجود شاهد بذلك ، فلا تقاس التوسعة في الدنيا ، لأن ذلك في الآخرة إنما هو على الأعمال الصالحة. وقرأ الأعمش : ويقدر في الموضعين مشددا ؛ والجمهور : مخففا ، ومعناه : ويضيق مقابل يبسط.
(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) : مثل هؤلاء الكفرة ، (لا يَعْلَمُونَ) أن الرزق مصروف بالمشيئة ، وليس دليلا على الرضا ثم أخبر تعالى أن أموالهم وأولادهم التي افتخروا بها ليست بمقربة من الله ، وإنما يقرب الإيمان والعمل الصالح. وقرأ الجمهور : (بِالَّتِي) ، وجمع التكسير من العقلاء وغيرهم يجوز أن يعامل معاملة الواحدة المؤنثة. وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون التي هي التقوى ، وهي المقربة عند الله زلفى وحدها ، أي ليست أموالكم تلك الموضوعة للتقريب. انتهى. فجعل التي نعتا لموصوف محذوف وهي التقوى. انتهى ، ولا حاجة إلى تقدير هذا الموصوف. والظاهر أن التي راجع إلى الأموال والأولاد ، وقاله الفراء. وقال أيضا ، هو والزجاج : حذف من الأول لدلالة الثاني عليه ، والتقدير : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى). انتهى. ولا حاجة لتقدير هذا المحذوف ، إذ يصح أن يكون التي لمجموع الأموال والأولاد. وقرأ الحسن : باللاتي جمعا ، وهو أيضا راجع للأموال والأولاد. وقرئ بالذي ، وزلفى مصدر ، كالقربى ، وانتصابه على المصدرية من المعنى ، أي يقربكم. وقرأ الضحاك : زلفا بفتح اللام وتنوين الفاء ، جمع زلفة ، وهي القربة.
(إِلَّا مَنْ آمَنَ) : الظاهر أنه استثناء منقطع ، وهو منصوب على الاستثناء ، أي لكن