الدول القوية لم ترغب في احتلال الصحراء وفرض السيطرة عليها ، ويلاحظ أن البدو الموجودين في العراق مختلفون عن البدو الموجودين في الجنوب أي في الجزيرة العربية بسبب كثرة الزراعة في الأراضي التي تسقى من نهري دجلة والفرات والخصائص الجغرافية والطبيعية للمنطقة التي يعيشون فيها ، فقلّت سرعة ترحالهم وضاق عليهم المكان ولم يفسد نسبهم ، والبدو الذين لم يتكيفوا مع هذه الطبيعية الجغرافية للعراق أو الذين لم يرغبوا في التكيف معها عادوا إلى صحاري الجزيرة العربية مرة أخرى ، ويذكر ابن خلدون أن قبائل قريش وكنانة وثقيف وبني أسد وهذيل ابتعدوا عن الصحاري المنبتة للحبوب في العراق والشام ، وظلوا في أراضيهم لذا لم يحدث اختلاط في أنسابهم (١).
بدأت الدولة العثمانية في تطبيق سياسة المركزية بمنطقة العراق في بدايات القرن التاسع عشر ، ونتيجة لتلك السياسة زادت الطرق وخطوط السكك الحديدية ، وأسست الجسور وشقت القنوات ، وبالتالي أصبحت تلك الحياة المدنية المتطورة عائقا أمام تجول العشائر البدوية بحرية وأدى هذا الى حدوث بعض التغيرات التي يمكن رؤيتها بسهولة في القبائل التي يتم مصادفتها كثيرا في القرى ، ومن أوجه التغير التي حدثت عند البدو : أصبحت أعمدة خيامهم أقوى وأثقل وأمتن وقصرت مسافات ترحالهم ، كما تعرضت لغتهم الصافية إلى التغيير بمرور الوقت.
ويمكن القول بأن أهم تغير طرأ على حياة البدو هو التغيير الذي طرأ على وضع شيخهم ، فالشيخ عند البدو شخص واحد وهو رأس الجماعة الذي يلقى الاحترام والتبجيل من الجماعة القوية التي يرأسها ومن الجماعات الأخرى المجاورة له ، وتعرف أسماء القبائل الموجودة في الجزيرة باسم الشخص الذي يحكمها ، ويعتقد أن الشيخ نفسه أقوى من
__________________
(١) Ibn Haldun ,a.g.e.,s.٧٢٣.