فبادر الكلّ إلى قبول قوله ، ولم يقل أحد : لا حاجة إلى ذلك ؛ بل اتّفقوا عليه ، وقالوا : ننظر في هذا الأمر ؛ وبكّروا إلى سقيفة بني ساعدة ، وتركوا أهمّ الأشياء ، وهو دفن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ واختلافهم في التعيين لا يقدح في ذلك [ الاتّفاق ] ـ ولم يزل الناس [ بعدهم ] على ذلك في كلّ عصر إلى زماننا هذا من نصب إمام متّبع » (١) انتهى.
وفيه ـ مع ما عرفت من وجوب النصب على الله تعالى ، فلا محلّ لوجوبه على الأمّة شرعا ـ : إنّ دعوى امتناع خلوّ الوقت عن إمام ، أعمّ من وجوبه على الله سبحانه ، وعلى الأمّة ، شرعا أو عقلا.
نعم ، لو صحّ ما نقلاه عن أبي بكر وقبول الصحابة له ، وقولهم :
« ننظر في هذا الأمر » ، كان ظاهرا في وجوبه على الأمّة ، لكنّه ـ مع كونه أعمّ من الوجوب شرعا وعقلا ـ كذب صريح ؛ إذ لم يقل أبو بكر : « لا بدّ لهذا الدين ممّن يقوم به » في خطبته التي رأيناها في كتبهم ، كتاريخي الطبري وابن الأثير وصحيح البخاري ، عند ذكر مناقب أبي بكر (٢) ، ومستدرك الحاكم ، حيث ذكر خطبة أبي بكر (٣) ، وغيرها من كتبهم (٤).
وما قال أحد بعد خطبة أبي بكر : « ننظر في هذا الأمر » ، ولا راحوا إلى السقيفة وفاء بالوعد وقياما بواجب النصب شرعا ..
__________________
(١) المواقف : ٣٩٥ ، شرح المواقف ٨ / ٣٤٥ ـ ٣٤٦ ، وانظر : شرح تجريد الاعتقاد ـ للقوشجي ـ : ٤٧٢.
(٢) تاريخ الطبري ٢ / ٢٣٢ ـ ٢٣٣ ، الكامل في التاريخ ٢ / ١٨٧ حوادث سنة ١١ ه ، صحيح البخاري ٥ / ٧٠ ح ١٦٧.
(٣) المستدرك على الصحيحين ٢ / ٣٢٣ ح ٣١٦٢.
(٤) راجع : السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٦ / ٧٥ ـ ٧٦ ، السيرة النبوية ـ لابن حبّان _ : ٤٠١ ، السيرة النبوية ـ لابن كثير ـ ٤ / ٤٨٠ ـ ٤٨٣.