نعم ، هو مذهب بعض أهل السنّة كما هو صريح ابن حزم (١) عند كلامه على الآيات المنافية لعصمة إبراهيم عليهالسلام ، قال : « وأبيح الكذب في إظهار الكفر في التقية » (٢).
ولا ريب أنّ من يروي خبر الغرانيق حقيق بهذا الاعتقاد ؛ لأنّ إظهار الكفر للتقية أهون من إظهاره لهوى قومه.
وكذا من يروي سائر الروايات المكفّرة ويحمل الآيات على الكفر أحقّ بهذا الاعتقاد.
واعلم أنّ ما ذكراه بالنسبة إلى صدور الكبائر عن الأنبياء عمدا ـ حيث قالا : « فمنعه الجمهور من المحقّقين » (٣) ـ إنّما هو مخصوص بحال النبوّة ؛ ولذا قالا بعد ذلك : « هذا كلّه بعد الوحي والاتّصاف بالنبوّة ، وأمّا قبله فقال الجمهور : لا يمتنع أن يصدر عنهم كبيرة » (٤) ، فاللازم على الخصم التقييد!
كما إنّهما بالنسبة إلى صدورها سهوا قالا : « وأمّا صدورها عنهم سهوا أو على سبيل الخطأ في التأويل فجوّزه الأكثرون » (٥) ..
وقال الشارح : « والمختار خلافه » (٦) ..
فترك الخصم نسبة التجويز إلى الأكثر ليخفي كذبه بقوله : « ودليل الأشاعرة على وجوب عصمة الأنبياء من الكبائر سهوا وعمدا » ، وليروّج
__________________
(١) الملل والنحل ٤ / ٦. منه قدسسره.
(٢) الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٢٩٠.
(٣) المواقف : ٣٥٩ ، شرح المواقف ٨ / ٢٦٤.
(٤) المواقف : ٣٥٩ ، شرح المواقف ٨ / ٢٦٥.
(٥) المواقف : ٣٥٩ ، شرح المواقف ٨ / ٢٦٥.
(٦) شرح المواقف ٨ / ٢٦٥.