ويردّ على الأوّلين : إنّه لا شيء منهما يستوجب تخصيص تلك الأدلّة الموجبة لعصمتهم عن جميع الذنوب ..
أمّا الأوّل : فلأنّ العفو عن الصغيرة لا يخرجها عن كونها ذنبا يحرّم الاتّباع فيه ويجب النهي عنه ، ولا يمنع العفو عنها أيضا من دخول النبيّ لو فعلها تحت اللوم والمذمّة بنحو قوله تعالى : ( لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ ) (١)!
وأمّا الثاني : فالأمر فيه أظهر ؛ لأنّ البشرية لا تستوجب الوقوع في الذنب حتّى يلزم تخصيص أدلّة العصمة (٢) ، وإلّا لما تمّت عصمتهم عن الكبائر أيضا!
وقوله : « وفي الآية إشارة إلى أنّ الإنسان لمّا خلق من الأرض ... » إلى آخره ...
إن أراد به أنّ خلق الإنسان من الأرض علّة تامّة لصدور الذنب عنهم (٣) ، فهو باطل ، إذ لم يقل أحد بوجوب عدم العصمة حتّى عن الصغائر (٤) ، على أنّه يلزم عدم الفرق بين الصغيرة والكبيرة!
وإن أراد به أنّه مقتض ، ففيه : إنّه لو سلّمت الإشارة في الآية إليه لم يصلح لتخصيص الأدلّة الموجبة لعصمتهم عن الذنوب مطلقا ، وإلّا انتفت عصمتهم حتّى عن الكبائر.
وأمّا الثالث : ففساده أظهر من الأوّلين ، ضرورة أنّ دعوى عدم
__________________
(١) سورة الصفّ ٦١ : ٢.
(٢) بناء على القول بأنّ الصغائر لا تخالف ملكة العصمة.
(٣) لما في تراب الأرض من كدورات وما شابه.
(٤) لأنّهم قائلون بجواز ارتكاب الصغيرة ، والعلّة التامّة تستلزم وجوب عدم العصمة ، ولم يقل به أحد.