فالبويهيون عندما حكموا العراق استأثروا بالسلطة دون الخلفاء (١) ، وحاولوا القضاء على الخلافة العباسية (٢) ، فلما شعر هؤلاء أن للخلفاء العباسيين نفوذا دينيا في أوساط الناس اتبعوا سياسة مذهبية قائمة على تأييد المذهب الشيعي (٣) ، وذلك لتكوين جماعة تناصرهم في تحقيق هذا الهدف من جهة ، وغرس بذور التفرقة بين أبناء الشعب الواحد لإضعافهم ، لكي يضعفوا سيطرتهم عليهم وبقاءهم فترة أطول من جهة أخرى.
أما في العصر السلجوقي فإننا لم نجد ما يشير إلى قيام فتنة مذهبية في هذه المدينة ، ومن المرجح أن السياسة التي اتبعها السلاجقة ، والتي كانت قائمة على نشر المذهب الشافعي هي التي أدت إلى القضاء على هذه الفتن (٤).
وفي العصر العباسي الأخير يبدو أن كبار المماليك ببغداد في سبيل الحصول على الامتيازات لجأوا إلى اتباع سياسة مذهبية قائمة على مناصرة مذهب على حساب مذهب آخر (٥) ، فقد ذكر ابن الأثير أن مقطع واسط الأمير يزدن التركي كان متشيعا ، فلما مات سنة ٥٦٨ ه / ١١٧٢ م جلس الشيعة بواسط للعزاء ، فوقعت بسبب ذلك فتنة مذهبية (٦). والظاهر أن الفتن المذهبية في هذه المدينة كانت قد استمرت بعد هذه الفتنة ، فقد ذكر ابن الأثير أنه في سنة ٦٢١ ه / ١٢٢٤ م وقعت فتنة مذهبية بواسط على جاري
__________________
(١) عن العلاقة بين الأمراء البويهيين والخلفاء العباسيين انظر : الزبيدي ، العراق في العصر البويهي ، ٣٤ ـ ٤٤.
(٢) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٥٢.
(٣) انظر مثلا : ابن الجوزي ، المنتظم ، ٧ / ١٥. الذهبي ، العبر ، ٢ / ٢٩٤.
(٤) انظر : الفصل الخامس.
(٥) انظر : ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ٢٤٢.
(٦) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ٣٩٥.