وجاء في المصادر أن قسما من هؤلاء أقام بواسط وسكنوا بدرب خاص بهم سمي «درب الصاغة» كان يقع في الجانب الغربي من المدينة (١) ، وأن بعضهم دخل في الإسلام. واشتهر منهم بيت أطلق عليه اسم «بيت المندائي» وكان قد ساهم في الحياة العلمية بواسط (٢) ، إلا أنه ليست لدينا معلومات عن تعدادهم وأحوالهم في هذه المدينة.
ومع أن صابئة واسط كانوا قد هاجروا من مدينة حران وسكنوا هذه المنطقة كما ذكرنا إلا أنهم كانوا ـ على ما يبدو ـ يختلفون عن صابئة حران وذلك لأن صابئة حران فرقة وثنية كانت تعبد الكواكب (٣) ، وقد اتخذ هؤلاء الصابئة أسماء لهم بعد مجيء الإسلام ليضمنوا لأنفسهم الأمان الذي منحه الإسلام لأهل الكتاب (٤). أما صابئة واسط فيبدو أنه نتيجة لتجاورهم مع أصحاب الأديان الأخرى من مسلمين ونصارى ويهود ومجوس الذين كانوا يسكنون في هذه المنطقة ـ كما تقدم ـ كانوا قد تأثروا بتعاليم هذه الأديان ، مما أدى إلى وجود نقاط تشابه واشتراك بين شعائرهم وشعائر أهل هذه الأديان (٥). غير أن سرية ديانتهم ، وقلة من يعرف لغة كتبهم الدينية (٦) وكتمانهم لها أدت إلى اختلاف رأي الفقهاء فيهم ، فالفقيه أبو يوسف اعتبرهم من أهل الذمة وتؤخذ منهم الجزية (٧) ، إلا أن الخليفة القاهر بالله
__________________
(١) انظر : الفصل الثاني.
(٢) انظر : الفصل الخامس.
(٣) ابن النديم ، الفهرست ، ٣٢٠. ابن حوقل ، صورة الأرض ، ٢٠٤. الشهرستاني ، الملل والنّحل ، ٢ / ١١٢. القفطي ، تاريخ الحكماء ، ٣١١. دائرة المعارف الإسلامية ، ٧ / ٣٥٤ (الترجمة العربية).
(٤) حتي ، تاريخ العرب ، ٢ / ٤٣٨.
(٥) دراور ، الصابئة المندائيون ، المقدمة ، ٢٠.
(٦) إن كتب الصابئة مكتوبة باللغة المندائية التي هي إحدى فروع اللغة الآرامية ، دراور ، المقدمة ، ٥.
(٧) كتاب الخراج ، ١٢٣.