والظاهر أن جند واسط أرادوا أن لا يكونوا طرفا في النزاع بين الفريقين ، من جهة ، وأن يتخلصوا من النهب الذي تعرضوا له من قبل هذا الجيش سابقا ، فلما علموا بنبأ قدوم جيش بركيارق ، خرجوا مع أهلهم وأموالهم وساروا إلى الزيدية ، وأقاموا هناك (١). أما موقف أهل واسط فقد وصفه ابن الأثير بقوله (٢) : «وكان أهل البلد قد خافوهم ، فلزموا الجامع وبيوتهم ، فخلت الطرق والأسواق من مجتاز فيها».
ولما دخل جيش بركيارق واسط أقاموا في الجانب الشرقي ، ثم نهبوا المدينة فخرج إليهم القاضي أبو علي الفارقي ، وطلب منهم الكفّ عن هذه الأعمال ، فاستجابوا لطلبه (٣).
أما جند واسط فإنهم كانوا قد أرسلوا إلى السلطان بركيارق يطلبون الأمان ، فأمنهم ، وحضر أكثرهم عنده ، وصاروا في خدمته ، ثم اجتمعت إليه عساكر أخرى (٤). انتهز بركيارق فرصة خروج السلطان محمد بن بغداد ، فحاول السيطرة عليها ، فلما بلغ الخليفة ذلك أرسل إلى السلطان محمد يستدعيه إلى بغداد (٥) ، فلما عاد أقام بها فترة ، ثم سار نحو جيشه الذي كان قد تركه في طريق خراسان (٦) فعدل بركيارق عن فكرته ، وسار في أثر أخيه ، فلما التقى الطرفان في «برذاور» سفر الأمراء بينهما ، فتم عقد الصلح ، واتفقا على أن يكون بركيارق السلطان وأخيه محمد الملك (٧).
__________________
(١) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٣٣٠. الزيدية : قرية قرب واسط بينهما نحو فرسخين أو ثلاثة. معجم البلدان ، ٣ / ١٣٢.
(٢) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٣٣٠.
(٣) ابن الجوزي ، المنتظم ، ٩ / ١٢٤. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٣٣٠.
(٤) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٣٣١.
(٥) ابن الجوزي ، المنتظم ، ٩ / ١٣٠. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٣٢٩.
(٦) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٣٢٩.
(٧) انظر تفاصيل ذلك في : ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٣٣١. ابن الجوزي ، المنتظم ، ٩ / ١٣١. برذاور : موضع بهمذان. معجم البلدان ، ١ / ٣٧٩.