العراق طيلة العصور العباسية المتأخرة ، واتسعت المدينة على جانبي دجلة اتساعا كبيرا ، وظلت محتفظة بازدهار العمران فيها واتساع رقعتها طيلة هذه الفترة ، وقد حدث فيها تطور في الحياة الاجتماعية ، كما أصبحت أحد المراكز الثقافية المهمة في العالم الإسلامي. وبما أن واسط لم تحظ بعناية المؤرخين المحدثين رأينا أن نستكمل دراستنا لها لكي تتضح لدى القارىء العربي عموما والمؤرخ المختصّ خاصة صورة كاملة عنها في عصورها العربية الإسلامية المختلفة.
لقد واجهتنا في هذه الدراسة صعوبات : فالمادة التي جاءت عن واسط مبعثرة ومشتتة وناقصة ، ومن أهم أسباب ذلك هو أن الكتب التي ألفت عنها لم يصل إلينا منها سوى كتاب واحد وهو متقدم على فترة دراستنا. ثم إن المعلومات عن واسط جاءت إلينا من مؤرخي وجغرافيي العصر العباسي وهؤلاء تجنبوا ذكر المعالم والمنجزات الأموية في هذه المدينة. وهناك صعوبة ثانية ناجمة عن عدم إجراء تنقيبات واسعة في هذه المدينة ، فالكشف عن آثارها يساعدنا كثيرا في معرفة جوانب الحياة المختلفة فيها ، ويسد النقص الموجود فيما كتبه المؤلفون عنها ، ولكننا استطعنا التغلب على هذه الصعوبات بعد أن رجعنا إلى مصادر كثيرة ومتنوعة فجمعنا منها النصوص التي تتعلق بواسط ، وقمنا بتنظيمها وتحليلها ومقارنتها فاستخلصنا منها صورة للحياة فيها. أما النقاط التي ظلت غامضة ومبهمة فقد استعنّا لتوضيحها بالمعلومات المتوفرة عن المدن الأخرى ، خاصة الكوفة ، والبصرة ، وبغداد قدر الإمكان دون تحميل النصوص ما لا تحتمل.
لقد جعلنا هذا البحث في خمسة فصول ، تناول الفصل الأول الحياة السياسية بواسط في العصور العباسية المتأخرة ، وقد تتبعنا في هذا الفصل مشاركة واسط في الأحداث السياسية التي وقعت في العراق خلال فترة البحث ثم بينّا الدور الذي لعبه ولاة هذه المدينة في تلك الأحداث. ومع أن هذا الفصل هو تمهيد لموضوع الدراسة إلا أن طول الفترة التي تناولتها