فقال له جبريل وأجلسه على بساط كهيئة الدرنوك ، فرأى فيه ماء يقال من صفائه
وحسنه كهيئة اللؤلؤ والياقوت ، فقال له جبريل : (اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ
الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) ، لا تخف يا محمّد ، فإنك رسول الله ، ثم انصرف وأقبل
على رسول الله صلىاللهعليهوسلم همّه فقال : كيف أصنع؟ وكيف أقول لقومي؟ ثم قام وهو
خائف ، فأتاه جبريل من أمامه في صورة نفسه ، فأبصر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمرا عظيما ملأ صدره فقال له جبريل : لا تخف يا محمّد ،
جبريل ، جبريل رسول الله إلى أنبيائه ورسله ، فأيقن بكرامة الله ، فإنك رسول الله
، ثم انصرف جبريل وأقبل النبي صلىاللهعليهوسلم راجعا ، فجعل لا يمر على حجر ولا شجر إلّا وهو ساجد له
يقول : السلام عليك يا رسول الله ، فاطمأنت نفسه ، وعرف كرامة الله إياه ، وعجب
لقول الشجر والأحجار وسجوده له ، فلما انتهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى زوجته خديجة أبصرت ما بوجهه من تغيير (١) لونه ، فأفزعها ذلك ، فقامت إليه ، فلمّا دنت منه ، أبصرت
كسوف وجهه ، فحسبته عيانا ، فجعلت تمسح عن وجهه وتقول : يا ابن عبد الله ، لقد
أصابك اليوم أمر أفزعك ، يا ابن عبد الله لعله كبعض ما كنت ترى وتسمع قبل اليوم ،
وكان نبي الله صلىاللهعليهوسلم قد سمع الصوت مرارا ، وأبصر الضوء ، وسمع البشرى ، فإذا
سمع بذلك بأرض الفلاة أقبل مذعورا فقصّ ذلك على خديجة ، فلمّا أن رأت خديجة أنه لا
يحير (٢) إليها شيئا أشفقت ، فقالت : يا ابن عبد الله ، ما لك لا تكلّم؟ قال : يا
خديجة ، أرأيت الذي كنت أخبرتك أنّي أرى في المنام ، والصوت الذي كنت أسمع في
اليقظة والصوت الذي كنا أهال منه ، فإنه جبريل قد استعلن لي ، وكلّمني ، وأقرأني
كلاما فزعت منه ثم عاد إليّ فبشّرني وأخبرني أنّي نبي هذه الأمة ، فأقبلت راجعا ،
فمررت على شجر وحجارة وهنّ يسجدن لي ، فقلن : السلام عليك يا رسول الله ، فقالت
خديجة : أبشر ، فو الله لقد كنت أعلم أنّ الله لن يفعل بك إلّا خيرا ، وأشهد أنّك
نبي هذه الأمة الذي تنتظره اليهود ، قد أخبرني به قبل أن أتزوجك ناصح غلامي وبحيرا
الراهب ، وأمرني (٣) أن أتزوجك منذ أكثر من عشرين سنة ، فلم تزل عن نبي الله
صلىاللهعليهوسلم حتى طعم وضحك (٤) ، ثم خرجت إلى الراهب وكان قريبا من مكة ، فلما دنت منه
وعرفها قال لها : ما لك يا سيدة نساء قريش؟ وكذلك كانت تسمّى ، فقالت : أقبلت
__________________
(١) كذا بالأصل وم و
«ز» : تغيير لونه ، وفي البداية والنهاية : تغير لونه.
(٢) في «ز» : يخبر ،
وقوله : لا يحير يعني لا يرجع ولا يرد ولا يجيب.
(٣) في «ز» :
وأمراني.
(٤) في البداية
والنهاية : فلم تزل برسول الله صلىاللهعليهوسلم
حتى طعم وشرب وضحك.