رَبِّكَ
بِمَجْنُونٍ ، وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ ، وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ
عَظِيمٍ ، فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ ، بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) المجنون ، وقد كانت قريش إذا سمعت بذكر محمّد بما ذكر
لهم الراهب وعداس قالوا : فلعله مجنون وخاضوا في ذلك ، فوافق ذلك قول ورقة بن نوفل
، ففي ذلك أنزل الله (فَسَتُبْصِرُ
وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ).
فلما رجعت
خديجة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخبرته بالذي ذكر لها ورقة ، فقال لها نبي الله صلىاللهعليهوسلم كلا والذي اختصني بالنبوة ما بي جنون ، وإنه لجبريل
أتاني ، فأخبرني بالذي خاضت فيه قريش وبقول ورقة ، فاقترأ نبي الله صلىاللهعليهوسلم على خديجة هذه الآيات ، فقالت : الحمد لله كثيرا ، قد
زادني هذا يقينا مع ما كنت فيه من اليقين ، ثم قالت له : أحب أن تلقى ورقة فتنبئنّه
الحديث ، وتخبره بما حدّثت عن هذه الآيات ، لعل الله يقبل بقلبه ، فإنه رجل قد
أعطي علما وهو يقرأ الكتب ، فأتاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلمّا أبصره ورقة رأى له هيبة وجمالا لم يكن يراه قبل
ذلك ، فقال له ورقة : يا ابن أخي ، حدّثني ما رأيت وما قيل لك ، فإنّي أرى لك هيئة
لم أكن أراها ولا أراك إلّا صادقا ، فحدّثني عن الذي أتاك في نور أتاك أو في ظلمة؟
فصف لي صفته ، فإنه نعت لي ، ولن يخفى عليّ أهو هو أو غيره إن شاء الله ، فأخبره
نبي الله بصفة جبريل وبما رأى من هيئته ، فقال له ورقة : أشهد أن هذا جبريل ،
فحدّثني ما قال لك ، فأخبره كيف وضع يده على صدره وبين كتفيه ، فازداد ورقة يقينا
، واقترأ [عليه] الآيات التي أقرأه جبريل والآيات بعد من (ن وَالْقَلَمِ) ، فقال له ورقة : أشهد أن هذا كلام الله ، فهل أمرك
بشيء تبلّغه قومك ، فقال له : لا ، فقال له ورقة : أمرك أمر نبوة ، فإن أدرك زمانك
اتبعك ، أما والذي نفس ورقة بيده لئن أعلنت ودعوت لأبلين الله في نصرتك من الصدق
وحسن المودة ، فأبشر يا ابن عبد المطّلب بما يسرك الله به ، وفشا قول ورقة في قريش
وبصدقه في نبي الله صلىاللهعليهوسلم فشقّ ذلك على الملأ من قريش ، وألقى الشيطان في قلوبهم
أن قول هذا الرجل فساد لأمركم ، وهلاك لدينكم ، فكيف ترضونه وهو من فقرائكم
وأصغركم؟ واحتبس جبريل على نبي الله صلىاللهعليهوسلم بعد ذلك ما شاء الله ، فقالت قريش : ما نرى محمّدا أحدث
شيئا بعد ، ولو كان من الله لتتابع الحديث كما بلغنا أنه كان يفعل من كان قبله ،
فقد وعده الذي كان يأتيه وقلاه ، فأتاه جبريل عند ذلك فقال : إنّ الله أنزل عليك
يا محمّد (وَالضُّحى
وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما
__________________