فبلغ معها القصر ، فلمّا دخل فإذا فيه جوار (١) كثير ، فأغلقت عليه باب القصر ، فإذا امرأة جميلة قد أتته ، فدعته إلى نفسها ، فأبى ، فأمرت به فحبس في بيت من القصر ، وأطعم وسقي قليلا قليلا حتى ضعف ، وكاد أن يموت ، ثم دعته إلى نفسها ، فقال : أما حرام فلا يكون ذلك أبدا ، ولكن أتزوجك ، قالت : نعم ، فتزوجها ، وأمرت به فأحسن إليه حتى رجعت إليه نفسه ، فأقام معها زمانا طويلا لم تدعه يخرج من القصر حتى يئس منه أهله وولده وزوج أولاده بناته واقتسموا ميراثه ، وأقامت زوجته تبكي عليه ولم تقاسمهم ماله ولا أخذت من ميراثه شيئا ، وجاءها الخطّاب ، فأمرت (٢) وأقامت على الحزن والبكاء عليه ، قال : فقال أبو دهبل لامرأته يوما : إنّك قد أثمت فيّ وفي ولدي ، فائذني لي أن أخرج إليهم وأرجع إليك ، فأخذت عليه أيمانا أن لا يقيم إلّا سنة حتى يعود إليها ، وأعطته مالا كثيرا ، فخرج من عندها بذلك المال حتى قدم على أهله ، فرأى زوجته وما صارت إليه من الحزن ، ونظر إلى ولده ممن اقتسم ماله وجاوره فقال : ما بيني وبينكم عمل ، أنتم ورثتموني وأنا حي ، فهو حظكم ، والله لا يشرك زوجتي فيما قدمت به أحد ، وقال لزوجته : شأنك بهذا المال ، فهو كله لك ، ولست أجهل ما كان من وفائك ، فأقام معها ، وقال في الشامية :
صاح حيّا الإله حيّا ودورا |
|
عند أصل القناة من جيرون |
فبتلك اغتربت بالشام حتى |
|
ظنّ أهلي مرجّمات الظنون |
وهي زهراء مثل لؤلؤة الغوّاص |
|
ميزت من جوهر مكنون |
قال : وفي هذه القصيدة يقول أبو دهبل :
ثم فارقتها على خير ما |
|
كان قرين مفارق لقرين |
وبكت خشية التفرّق والبين |
|
بكاء الحزين نحو الحزين |
فاسألي عن تذكّري واكتئابي (٣) |
|
حلّ أم إذا هم عذلوني (٤) |
وقد روي هذا الشعر لعبد الرّحمن بن حسّان ، وليس بصحيح ، قال : فلمّا جاء الأجل أراد الخروج إليها ، فجاءه موتها ، فأقام.
أخبرنا أبو غالب وأبو عبد الله ابنا البنّا ، قالا : أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة ، أخبرنا أبو
__________________
(١) بالأصل وم : جواري.
(٢) كذا بالأصل وم ، ولعله : فأبت.
(٣) كذا بالأصل وم والمختصر ، وفي الأغاني : واطمئني.
(٤) بالأصل : عذبوني ، والمثبت عن م والمختصر ، وعجزه في الأغاني : لأناسي إذا هم عذلوني.