النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «أجلسني على بساط كهيئة الدرنوك (١) فيه من الياقوت واللؤلؤ» فبشّره برسالة الله ربّه حتى اطمأن النبي صلىاللهعليهوسلم ثم قال : اقرأ ، قال : «كيف أقرأ؟» قال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ)(٢) فقبل الرسول رسالات ربه ، وسأله أن يخفيها (٣) واتبع النبي صلىاللهعليهوسلم الذي نزل به جبريل من عند رب العرش العظيم ، فلمّا قضى إليه الذي أمر به ، انصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم منقلبا إلى أهله ، لا يأتي على حجر ولا شجر إلّا سلّمت عليه : سلام عليك يا رسول الله ، فرجع إلى بيته وهو موقن (٤) ، قد فاز فوزا عظيما ، فلمّا دخل على امرأته خديجة قال : «يا خديجة ، أرأيت ما كنت أريه في المنام وأحدّثك به ، فإنه قد استعلن لي ، وإنه جبريل ، أرسله ربه» وأخبرها بالذي قال له ، وبالذي رأى وسمع (٥) ، فقالت : أبشر ، فو الله لا يفعل الله بك إلّا خيرا أبدا أقبل (٦) الذي أتاك من الله ، فإنه حق ، وأبشر فإنك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم انطلقت مكانها حتى أتت غلاما لعتبة بن ربيعة يقال له : عداس ، نصراني من أهل نينوى (٧) ، فقالت : يا عداس ، أذكرك الله إلّا حدثتني هل عندك من جبريل علم ، فلمّا سمعها الرجل ذكرت جبريل قال : قدّوس قدّوس ربنا ، وما شأن جبريل يذكر بهذه الأرض التي أهلها أهل أوثان ، فقالت : أحب أن تحدّثني بعلمك عنه ، قال عداس : فإنه أمين الله بينه وبين النبيين ، وهو صاحب موسى وعيسى ، فرجعت خديجة فأتت عمها ورقة بن نوفل ، وكان ورقة قد كره عبادة الأوثان هو وزيد بن عمرو بن نفيل ، وكان زيد قد حرّم كل شيء حرمه الله من الدم والذبيحة على النّصب ، وأبواب الظلم في الجاهلية ، فعمد هو وورقة بن نوفل يلتمسان العلم والدين حتى وقعا (٨) بالشام ، فلما عرضت عليهما الأديان كرهاها وسألا رهبان نصارى وكلّ قائم أتيا عليه ، فأما ورقة فتنصّر ، وأما زيد فكره النصرانية ، قال له قائم من الرهبان : إنّك تلتمس دينا ليس يوجد في الأرض غير موجود ، قال القائم : دين الله دين إبراهيم خليل الله ، قال : وما كان دينه؟ قال : كان حنيفا ، فلمّا نعت له دين إبراهيم قال زيد :
__________________
(١) الدرنوك : ضرب من الثياب أو البسط له خمل قصير كخمل المناديل.
(٢) سورة العلق ، الآيات ١ ـ ٣.
(٣) الأصل وم و «ز» : يخفها ، والمثبت عن المختصر.
(٤) الأصل وم و «ز» : «موفق» والمثبت عن المختصر.
(٥) في «ز» : وأخبرها بالذي رأى وسمع.
(٦) الأصل : قبل ، والمثبت عن «ز» ، وم.
(٧) نينوى هي قرية يونس بن متى بالموصل (راجع معجم البلدان).
(٨) كذا بالأصل وم و «ز» ، وفي دلائل النبوة للبيهقي ٢ / ١٤٤ وقفا بالشام.