وفي الموطأ والبخاري فقالت عائشة : إن أحبّ أهلك أن أعدّها لهم ويكون لي ولاؤك فعلت. فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت ذلك لهم ، فأبوا عليها ، فجاءت من عند أهلها ورسول الله صلىاللهعليهوسلم قاعد فقالت لعائشة : إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا على أن يكون الولاء لهم. فسمع ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ أخبرته عائشة فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «خذيها واشترطي لهم الولاء ، فإنما الولاء لمن أعتق» ، ففعلت عائشة ، ثم قام رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «أما بعد : فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله! كلّ شرط ليس في كتاب الله ـ وفي حديث آخر في الموطأ : ما كان من شرط ليس في كتاب الله ـ فهو باطل ، وإن كان مائة شرط. قضاء الله أحق وشرط الله أوثق ، وإنما الولاء لمن أعتق» (١).
معنى قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «كل شرط ليس في كتاب الله» أي : خالف كتاب الله ، ومعنى قوله لعائشة : «اشترطي لهم الولاء» أي : اشترطي عليهم الولاء. قال الله عزوجل : (أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [الرّعد : الآية ٢٥]. أي عليهم.
وقد تقدم ما فيه من السنن في الأمة تعتق تحت زوج في كتاب الطلاق وإنما اشترتها عائشة بعد أن عجزت عن كتابتها. قاله مطرف وغيره.
وفي كتاب ابن شعبان : أول مكاتب في الإسلام كان سلمان الفارسي كاتب أهله على مائة ودية (٢) نجّمها لهم فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا غرستها فاذنّي» ، فلما غرسها آذنه ، فدعا له فيها فلم تمت منها ودية واحدة (٣). وقد قيل إن أول مكاتب في الإسلام كان يكنى : أبا مؤمّل ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أعينوا أبا مؤمل» فأعين فقضى كتابته ، وفضلت عنده فضلة فاستفتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «أنفقها في سبيل الله».
«حكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم»
في عتق من مثّل به أو لطم وجهه
في المدوّنة عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : كان لزنباغ عبد يسمى : سندرا ، أو ابن سندر ، فوجده يقبّل جارية له فأخذه وجدع أذنه وأنفه ، فأتى إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأرسل إلى زنباغ فقال : «لا تحملوهم ما لا يطيقون ، وأطعموهم مما تأكلون ، واكسوهم مما تلبسون ، وما
__________________
(١) رواه البخاري (٢١٦٨) عن ابن المسيب ، ومسلم (١٥٠٤) ، والموطأ (٢ / ٧٨٠) من حديث عائشة رضياللهعنها.
(٢) رواه الحاكم (٢ / ١٦) وصححه ووافقه الذهبي من حديث بريدة رضياللهعنه. ورواه أحمد في المسند (٥ / ٣٥٤) والبزار رقم (٢٦ ٢٧). وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٩ / ٣٣٧) وقال : رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح.
(٣) الودية «غصن» يخرج من النخل ثم يقطع منه فيغرس.