وقد تكون اللام ثانية في حروف المعاني مشدّدة في قولهم إلّا في الاستثناء ، كقولك : جاء القوم إلّا زيدا ، ومررت بأصحابك إلّا بكرا ، قال الله تعالى : (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ)(١) و (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ)(٢) وقرأ عبد الله بن عامر (ما فعلوه إلا قليلا منهم) (٣) بالنصب ، وذلك أنّ (إِلَّا) إذا كان ما قبلها من الكلام موجبا كان ما بعدها منصوبا منفيا عنه ما أثبت لما قبلها ، وإذا كان ما قبلها منفيا جاز فيما بعدها البدل ممّا قبلها ، والنصب على أصل الاستثناء. هذا مذهب البصريين ولا يجوّزون غيره. قال سيبويه : إلّا في الاستثناء بمنزلة دفلى ، فإن سمّيت بها لم تصرف
__________________
(١) الآية : (فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ ، فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ، فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ ...) البقرة ٢ : ٢٤٩ والآية من شواهد المغني ١ : ٧٣ و ٢ : ٤٧٧ و ٧٥٤. وقد قرأها ابن مسعود وغيره برفع قليل كما في البحر المحيط ٢ : ٢٦٦. وانظر معاني القرآن للفراء ١ : ١٦٦.
(٢) الآية : (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ، وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً.) النساء ٤ : ٦٦ والآية من شواهد المغني ١ : ٧٣ و ١٧٠ و ٢ : ٦٠٨. وقال سيبويه : «ومن قال ما أتاني القوم إلا أباك ، لأنه بمنزلة قوله : أتاني القوم إلا أباك ، فانه ينبغي له أن يقول : ما فعلوه إلا قليلا منهم» الكتاب ١ : ٣٦٠ وانظر الرماني النحوي : ٢٣٣ و ٣٦٥ و ٣٦٩.