وادي النيل ، إلّا أنّ هذين النظامين الرمزيّين لم يختلفا من حيث عدم تعدّي الرمز المرئيّ إلى الصوت المحكيّ ، بمعنى أنّ الكتابة قبل الأبجديّة الجبيليّة كانت في البدء صوريّة ، ولم تكن صوتيّة ، وقد تمكّن المصريّون ، على مرّ القرون ، من تطوير النظام الصوريّ إلى نظام صوريّ ـ صوتيّ ، فاتخذوا أربعين صورة من صور كتابتهم الهيروغليفيّة وجعلوا كلّا منها رمزا لوحدة صوتيّة ، وتوقّف التقدّم المصريّ على صعيد الكتابة عند هذا الحدّ ، بينما لم تتعدّ المسماريّة الرمز الصوريّ.
يعتقد الباحثون أن أوّل من حاول تطوير فنّ الحرف من الصورة إلى الرمز المختصر لها الذي يشكّل حرفا صوتيّا ، كانوا أسرى كنعانيّين أو بعض عمّال التعدين الكنعانيّين في شبه جزيرة سيناء ، في المناجم المعروفة بوادي المغارة ، حيث ظهر إسم بعلة جبيل واضحا على بعض جدرانه. ويعتبر بعض الباحثين أن أولئك الكنعانيّين ـ الجبيليّين قد وجدوا صعوبة في ذلك المزيج المزعج من صور ورموز وما يفترض أن يكون أحرف هجاء ، فعمد هؤلاء إلى اتّخاذ الرموز التي تشكّل أحرفا صحيحة كأساس في تهجئة الكلمة ، ووضعوا لتلك الرموز أسماء ساميّة وأعطوها قيمة صوتيّة تلائم الأصوات اللغويّة في لسانهم. فإنّهم مثلا اتّخذوا الرمز الذي يشير إلى رأس الثور وسمّوه في لسانهم : ألف ، بقطع النظر عن إسمه باللسان المصريّ ، وأصبحت كلمة" ألف" تمثّل الوحدة الصوتيّة التي تبدأ بها ، أي : همزة. إلّا أنّ العامل في سيناء استخدم فقط الفكرة الأبجديّة الموجودة في العلامات الساكنة المصريّة وشكّل لنفسه مجموعة بسيطة من العلامات التي يمكن أن تتهجّى بها الكلمات. أمّا الهجاء الذي ينسب إلى جبيل ، وهو خطّي مستقيم ، فيتألف من ٢٢ حرفا صحيحا ويكتب من اليمين إلى اليسار. ثمّ كان للكنعانيّين أنواع