غير أنّ التفاعل الفكريّ يظهر جليّا في الدين ، بحيث أنّ العنصر الأساسيّ في ذروة المعتقدات الدينيّة عند الفينيقيّ ، كان تأليه الخصب ، وهذا المعتقد عمّ جميع ديانات الشعوب الساميّة ، ويبدو واضحا أثر المعتقد البابلي في المعتقد الساميّ ، كما يبدو تأثّر هذين الدينين بالدين المصريّ ، وفي الدراسة المتعمّقة لهذه الأديان الثلاثة وللدين الإغريقيّ في ما بعد ، يظهر بوضوح أن وسيطا ما ، كان له فضل تفاعل حضارات تلك الشعوب مع بعضها البعض ، ولا يمكن أن يكون ذلك الوسيط غير الفينيقيّ البحّار الجوّال التاجر المبدع الذكيّ الخلاق.
إلى جانب التجارة والدين والفكر ، كان الفينيقيّ يحمل معه الفنون ذهابا وإيابا ، وقد سما الجبيليّ برسم أشكال عدد من الأزهار المحليّة على الحلى والأسلحة والمركبات إلى مستويات رائعة ، وقد وجدت آثار وبقايا لتلك الرسوم المنقوشة في جبيل ، كما في مصر وسواها من المراكز التي تعرّضت للحفر والدراسة. حتّى أنّ الفينيقيّين عموما ، ولا يمكن أن يكون الجبيليّ قد شذّ عن ذلك ، ابتكروا ، من جملة ما ابتكروه ، صنع الأزهار الإصطناعيّة من الزجاج والمعدن ، وقد وجدت في حفريّات جبيل ومصر نماذج من أجرار لها قعر حادّ صنعها الجبيليّ لنقل الصمغ والقار والعسل والزيت ، لم يتمكّن المصريّون من تقليده قبل القرن السابع ق. م. ، وأقدم العاديّات الفينيقيّة عند الإغريق تعدّ تقليدا متأخّرا للفنون الفينيقيّة كما تشهد الآثار وتؤكّد الدراسات.
كذلك اقتبس العبران عن هذا الشعب كلّ ما يمكن وضعه تحت خانة الفنون والصنائع ، بما في ذلك صنع المجوهرات والحلى والأسلحة والجرار والقدور ، فالفينيقيّون هم الذين سوف يزخرفون قصر آخاب (٨٧٥ ـ ٨٥٣ ق. م.) في السامرة بنقوش العاج ليعرف القصر بقصر العاج. وهم الذين