موضوعة في مكانها ، كأنّك قلت : وإذ يعدكم الله أنّ إحدى الطّائفتين لكم ، فقد أبدلت الآخر من الأوّل ، ومن ذلك قوله عزوجل : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ)(١).
ومما جاء مبدلا من هذا الباب قوله تعالى على لسان منكري البعث : (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ)(٢) فكأنه قال : أيعدكم أنّكم مخرجون إذا متّم.
٩ ـ كلمات يصحّ فيها البدل والتّوكيد والنّصب على أنها مفعول :
تقول : «ضرب عبد الله ظهره وبطنه» و «ضرب زيد الظّهر والبطن» و «قلب عمرو ظهره وبطنه» و «مطرنا سهلنا وجبلنا» و «مطرنا السّهل والجبل». فإن شئت جعلت ظهره في المثل الأوّل ، والظهر في الثاني ، وعمرو في المثل الثّالث ، وسهلنا في الرابع ، والسّهل في الخامس ـ بدلا ، وإن شئت جعلته توكيدا بمنزلة أجمعين ـ أي يصير البطن والظّهر توكيدا لعبد الله ، إذ المعنى ضرب كلّه ، كما يصير أجمعون توكيدا للقوم ـ وإن شئت نصبت ـ أي على المفعولية ـ تقول : «ضرب زيد الظّهر والبطن» و «مطرنا السّهل والجبل» و «قلب زيد ظهره وبطنه» ـ كلّها بالنصب ـ والمعنى أنّهم مطروا في السّهل والجبل وقلب على الظّهر والبطن ، ولكنهم أجازوا هذا كما أجازوا قولهم : «دخلت البيت».
وإنما معناه : دخلت في البيت والعامل فيه الفعل. ولم يجيزوه ـ أي حذف حرف الجر ـ في غير السّهل والبطن والجبل ، كما لم يجز : دخلت عبد الله فجاز هذا في ذا وحده ، كما لم يجز حذف حرف الجرّ إلّا في الأماكن في مثل : «دخلت البيت واختصّت بهذا. وزعم (٣) الخليل رحمهالله أنهم يقولون : «مطرنا الزّرع والضّرع».
ومما لا يصح فيه إلّا البدليّة قوله عزوجل : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(٤) من استطاع أي منهم ومن : بدل بعض من الناس. ومن هذا الباب قولك : «بعت متاعك أسفله قبل أعلاه» و «اشتريت متاعك أسفله أسرع من اشترائي أعلاه». و «سقيت إبلك صغارها أحسن من سقيي كبارها» ، «ضربت النّاس بعضهم قائما وبعضهم قاعدا» فهذا لا يكون فيه إلّا النّصب ـ أي على البدلية ـ يقول سيبويه :
__________________
(١) الآية «٣١» من سورة يس «٣٦».
(٢) الآية «٣٥» من سورة المؤمنون «٢٣».
(٣) زعم هنا : بمعنى قال.
(٤) الآية «٩٧» من سورة آل عمران «٣».