والثالث : كقول الشّاعر يخاطب امرأة :
هلّا تمنّن (١) بوعد غير مخلفة |
كما عهدتك في أيّام ذي سلم |
والرّابع : كقول آخر يخاطب امرأة :
فليتك يوم الملتقى ترينّني |
لكي تعلمي أنّي امرؤ بك هائم |
والخامس : نحو قوله :
«أفبعد كندة تمدحنّ قبيلا» (الرابعة) أن يكون توكيده بهما قليلا ، وذلك بعد «لا» النّافية» أو «ما» الزّائدة التي لم تسبق ب «إن» الشّرطية ، فالأول كقوله تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)(٢) فأكّد الفعل بعد «لا» النّافية تشبيها لها بالنّاهية صورة ، والثّاني كقوله :
إذا مات منهم سيّد سرق ابنه |
ومن عضة ما ينبتنّ شكيرها (٣) |
وقول حاتم الطّائي :
قليلا به ما يحمدنّك وارث |
إذا نال ممّا كنت تجمع مغنما |
(الخامسة) أن يكون التّوكيد بهما أقلّ ، وذلك بعد «لم» وبعد «أداة جزاء» غير «إمّا» فالأوّل كقول أبي حيّان الفقعسي يصف وطب لبن :
يحسبه الجاهل ما لم يعلما |
شيخا على كرسيّه معمّما |
أراد الذي لم «يعلمن» بنون التوكيد الخفيفة المقلوبة في الوقف ألفا ، والثاني كقوله :
من تثقفن منهم فليس بآئب |
أبدا وقتل بني قتيبة شافي |
وتوكيد الشّرط بهما كثير ، أمّا الجواب فقد توكّد بهما على قلّة كقول الكميت بن ثعلبة الفقعسي :
فمهما تشأمنه فزارة تعطكم |
ومهما تشأمنه منه فزارة تمنعا (٤) |
أي : تمنعن ، ولا يؤكّد بإحدى النّونين في غير ذلك إلّا ضرورة كقول الشاعر وهو خذيمة الأبرش :
ربّما أوفيت في علم |
ترفعن ثوبي شمالات (٥) |
(السادسة) امتناع توكيده بهما ، إذا
__________________
(١) أصلها «تمنينن» بنون التوكيد الخفيفة ، حذفت نون الرفع لتوالي النونان حملا على حذفها مع الثقيلة ، ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين.
(٢) الآية «٢٥» من سورة الأنفال «٨».
(٣) العضة : شجرة ، وشكيرها : ما ينبت في أصلها من الفروع والشّطر الثاني : مثل يضرب لمن نشأ كأصله. المعنى : إذا مات الأب أشبه ابنه في جميع صفاته ، فمن رأى هذا ظنّه هذا ، فكأنه مسروق.
(٤) الضمير في «منه» يعود إلى العقل وهو الدية.
(٥) أوفيت : نزلت ، العلم : الجبل ، وشمالات : ريح الشمال.