والنظام الكنسي النصراني في القرون الوسطى قدم ـ هو الآخر ـ خدمة عظمى للنظام الاقطاعي السائد في اوروبا. فطالما كان الملك مفوضاً من قبل الله سبحانه وتعالى بالتصرف بارواح واموال واعراض الناس ، فان الجرائم المنسوبة للطبقة الحاكمة انما هي نتيجة طبيعية للارادة الالهية والعمل الرباني ، وليس للافراد دخل في تغييرها او ادانتها (١)! اذن ليس غريباً ان نجد افراداً عاشوا آثار تلك الافكار مثل (كارل ماركس) وغيره. آمنوا ـ بعد ان رأوا بأم اعينهم فظائع سلوك رجال الكنيسة ـ بان الدين افيون الشعوب. وليس هناك شك بانهم كانوا يقصدون النصرانية في ذلك ؛ لانهم رأوا آثار احكام بابوية القرون الوسطى القائلة بان النظام الاجتماعي الظالم لايجوز تغييره او ادانته ، لانه نظام الهي. فاُجبِر الفقراء من فلاحين وعمال ـ عندئذٍ ـ على قبول ذلك النظام الطبقي باسم الدين والكنيسة. ولاتزال الكنيسة النصرانية في المجتمعات الغربية الى هذا اليوم ، تساند ـ بكل قوة ـ النظام الرأسمالي الطبقي ؛ حيث تعتبر (خصوصا عقيدة البيورتنز او الانقياء) الغني توفيقا إلهيّا للعبد المطيع , والفقر سخطا ربانيا علي العبد العاصي (٢). في حين ان كل الدلائل الموضوعية ترفض هذا المنطق , لان الغني والفقر مسالة نسبية , يتعلق جزء منها بالانسان والجهد الانساني والجزء الآخر بالله سبحانه وتعالى عن طريق عن طريق التوفيق.
وحتى ان فكرة الاستعمار الاوروبي للمناطق الآمنة في إفريقيا وآسيا لنهب ثروات العالم الاسلامي في القرون الاربعة الاخيرة , صورت من قبل
__________________
(١) (بول جالفانت) وآخرون. الدين في المجتمع المعاصر. بالو آلتو ، كاليفورنيا : مي فيلد ، ١٩٨٦م.
(٢) (بول كونكين). البيورتنز والبراغماتستس. بلومنكتن ، انديانا : مطبعة جامعة انديانا ، ١٩٧٦م.