وحاصل الكلام : إنّه عليه السلام نبّهه أنّ الله سبحانه قادر على أن يدخل الدنيا في البيضة مثل دخول ما تراه بناظرك في الناظر وهو بهذا القدر وذلك بحيث لا تكبر البيضة ولا تصغر الدنيا ، كما أنّ ما يراه الناظر يدخل تحت قدرته بحيث لا يكبر الناظر ولا يصغر ما ينظره.
وعلى هذا النحو ما في الحديث الآخر من قول الرضا عليه السلام «نعم وفي أصغر من البيضة قد جعلها الله في عينك وهي أصغر من البيضة» (١).
ففيه تنبيه للسائل على كمال قدرته تعالى ممّا هو ممكن ، وغير محال ، وأنّ ما سأل عنه لا ينبغي أن يسأل عنه لما ذكر من كونه محالاً ، فظهر كون الأحاديث كلّها متّفقة لا تنافي فيها ، وإلّا فكيف يتصوّر أن يخفى على الإمام عليه السلام ما أراده السائل حتّى يجيبه بغير ما دلّ عليه سؤاله؟ ومع ذلك لا يفرّق هشام والسائل بين السؤال والجواب ، وينقل مثل هذا أجلاّء العلماء من غير تعرّض لدفع ما ذكر؟ وما ذلك إلّا لفهمهم وجه ذلك ، والله أعلم.
قوله عليه السلام : «وإن عظم» (إن) هذه هي التي يسميّها أكثر المتأخرين وصليّة ومتّصلة ، وذلك حيث وقع الشرط بها مدلولاً على جوابه بما قبله من الكلام ، وكان ضدّ الشرط أولى بجزائه من الشرط كقولك : أكرمه وإن شتمني ، فالشتم بعيد من الإكرام ، وضدّه وهو المدح أولى بالإكرام ، ومثله قوله : «وإن عظم» فإنّ كون الشيىء عظيماً بعيد في الظاهر عن القدرة عليه ، وضدّه وهو كونه لطيفاً أولى بالقدرة عليه ، ومثل إن في ذلك (لو) المستعملة في معناها نحو : «اطلبوا العلم ولو بالصين» (٢).
__________________
١ ـ التوحيد : ص ١٣٠ ، ح ١١.
٢ ـ روضة الواعظين : ص ١١ ، في فضل العلم.