قصورها ومساكنها أنهار الجنة (١) ، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين ، وفيها ـ كما ورد في الصحيحين ـ ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، وهو معنى قوله تعالى : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ، جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة ٣٢ / ١٧].
فيها الأرزاق الدائمة والثمار الشهية المتنوعة ، كلما قدمت لهم ثمرة منها في أول النهار وآخره ، قالوا متعجبين : هذه الثمرة كالتي رزقناها في الدنيا ، فإذا أكلوها وجدوا لها طعما غير الطعم المعتاد ، وأدركوا أنها تشبه ثمار الدنيا في المنظر والشكل والجنس فقط ، وتختلف في الذوق والطعم والحجم ، فهي مما لم يروه أبدا ، وجيئوا بها مشابهة لثمار الدنيا المألوفة ، مع اختلاف المادة والطعم ، قال ابن عباس : «ليس في الدنيا من الجنة شيء إلا الأسماء» ، وقال الطبري (٢) : «أولى التأويلات تأويل من قال : وأتوا به متشابها في اللون والمنظر ، والطعم مختلف ، يعني بذلك اشتباه ثمر الجنة وثمر الدنيا في المنظر واللون ، مختلفا في الطعم والذوق.
ومن الأمور الغيبية التي نؤمن بها كما أخبر الله أن في الجنة للمؤمنين زوجات من الحور العين ، مقصورات في الخيام ، لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ، مطهرات من الأقذار والأدناس المنفرة : الحسية والمعنوية ، كالحيض والنفاس ، والحدث من البول والغائط ، والتنّخم أو البصاق ، وشرور النفس والهوى. روى مسلم أن النّبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ، ولا يتفلون ولا يبولون ، ولا يتغوّطون ولا يتمخّطون ، قالوا : فما بال الطعام؟ قال : جشاء ورشح كرشح المسك ، ويلهمون التسبيح والتحميد ، كما تلهمون النّفس».
__________________
(١) روى أبو هريرة أن النّبي صلىاللهعليهوسلم قال : «أنهار الجنة تفجر من تحت تلال أو من تحت جبال المسك».
(٢) تفسير الطبري : ١ / ١٣٥ وما بعدها ، ومثله تفسير الرازي : ٢ / ١٣٠