وحينئذ قال تعالى للملائكة : ألم أقل لكم : إني أعلم ما غاب في السموات والأرض عنكم ، وما حضر أيضا ، ولا أجعل الخليفة في الأرض عبثا ، وأعلم ما ظهر وما بطن ، وما تظهرون وما تكتمون من نحو قولكم فيما روي عن ابن عباس : «لن يخلق الله خلقا أكرم عليه منا ، فنحن أحق بالخلافة في الأرض» (١). هذا وجه من التأويل ، وقال الطبري : وأولى الأقوال بتأويل الآية ما قاله ابن عباس : وهو أن معنى قوله : (وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ). وأعلم مع علمي غيب السموات والأرض ، ما تظهرون بألسنتكم ، (وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) وما كنتم تخفونه في أنفسكم ، فلا يخفى علي شيء ، سواء عندي سرائركم وعلانيتكم. والذي أظهروه بألسنتهم : ما أخبر الله جل ثناؤه عنهم أنهم قالوه ، وهو قولهم : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها ، وَيَسْفِكُ الدِّماءَ ، وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ؟).
والذي كانوا يكتمونه : ما كان منطويا عليه إبليس من مخالفة أمر الله ، والتكبر عن طاعته (٢).
فقه الحياة أو الأحكام :
أولا ـ دلت هذه الآيات على تكريم الإنسان الذي جعله الله خليفة في هذه الأرض في تنفيذ أوامره بين الناس ، ويؤيده قوله تعالى : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) (ص ٣٨ / ٢٦) والحكمة من جعل آدم خليفة هي الرحمة بالناس ، إذ لا طاقة للعباد على تلقي الأوامر والنواهي من الله بلا واسطة ، فكان من رحمته تعالى إرسال الرسل من البشر. ومع هذا اختلف المفسرون في تأويل كلمة (خَلِيفَةً) وتحديد المستخلف عنه (٣).
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ١ / ٧١ ، تفسير الطبري : ١ / ١٧٧
(٢) تفسير الطبري : ١ / ١٧٦
(٣) تفسير الطبري : ١ / ١٥٦ وما بعدها ، تفسير ابن كثير : ١ / ٦٩ ، الكشاف : ١ / ٢٠٩ ، القرطبي : ١ / ٢٦٣ ، تفسير الرازي : ٢ / ١٦٥ وما بعدها.