فقال ابن عباس : أول من سكن الأرض الجن ، فأفسدوا فيها ، وسفكوا فيها الدماء ، وقتل بعضهم بعضا ، فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة ، فقتلهم إبليس ومن معه ، حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال ، ثم خلق آدم ، فأسكنه إياها ، فلذلك قال : إني جاعل في الأرض خليفة. فعلى هذا القول : إني جاعل في الأرض خليفة عن الجن ، يخلفونهم فيها ، فيسكنونها ويعمرونها ، وليس آدم أول أصناف العقلاء في الأرض.
وقال الحسن البصري : في تأويل قوله : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) أي خلفا يخلف بعضهم بعضا ، وهم ولد آدم الذين يخلفون أباهم آدم ، ويخلف كل قرن منهم القرن الذي سلف قبله ، جيلا بعد جيل ، كما قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) [الأنعام ٦ / ١٦٥] وقال : (وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ) [النمل ٢١ / ٦٢] وقال : (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) [الزخرف ٤٣ / ٦٠] وقال: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) [الأعراف ٧ / ١٦٩].
ومن هو الخليفة؟ قيل : أريد بالخليفة آدم ، واستغنى بذكره عن ذكر بنيه ، كما يستغنى بذكر أبي القبيلة في قولك : مضر وهاشم.
وقال زيد بن علي : ليس المراد هاهنا بالخليفة آدم عليهالسلام فقط ، كما يقوله طائفة من المفسرين. قال ابن كثير : والظاهر أنه لم يرد آدم عينا ، إذ لو كان ذلك ، لما حسن قول الملائكة : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) فإنهم أرادوا : أن من هذا الجنس من يفعل ذلك ، وكأنهم علموا ذلك بعلم خاص ، أو بما فهموه من الطبيعة البشرية المخلوقة من صلصال من حمأ مسنون ، أو فهموا من الخليفة : أنه الذي يفصل بين الناس ما يقع بينهم من المظالم ، ويردعهم عن المحارم والمآثم ، أو أنهم قاسوهم على من سبق.
والخلاصة : هناك قولان في المراد بالخليفة :