بمعصيتهما. وكيف يطلب آدم ، مع مكانه من الله وكمال عقله ، شجرة الخلد ، وهو في دار الخلد والملك الذي لا يبلى. ورجح الألوسي هذا الرأي.
ورد القرطبي على هذه الأدلة : بأن الجنة المعرفة بالألف واللام لا يفهم غيرها في تعارف الناس ، ولا يستحيل في العقل دخول إبليس الجنة لتغرير آدم. وأما أوصاف الجنة المذكورة في الآيات التي احتجوا بها ، فهي بعد دخول أهلها فيها يوم القيامة. ولا يمتنع أن تكون دار الخلد لمن أراد الله تخليده فيها ، وقد يخرج منها من قضي عليه بالفناء. والملائكة يدخلونها ويخرجون منها ، وقد دخلها النّبي صلىاللهعليهوسلم ليلة الإسراء ثم خرج منها ، ولم يكن تقديسها مما يمنع فيها المعاصي.
وأجمع أهل السنة على أن جنة الخلد هي التي أهبط منها آدم عليهالسلام. وكيف يجوز على آدم ، وهو في كمال عقله ، أن يطلب شجرة الخلد ، وهو في دار الفناء؟! الأمر جائز تطلّعا إلى الأفضل والأكمل ، كما نتطلع الآن في الدنيا إلى الخلود في الجنة.
ثالثا ـ الشجرة: اختلف العلماء في تعيين الشجرة التي نهي عنها آدم فأكل منها (١). فقال جماعة : هي الكرم ، ولذا حرمت علينا الخمر ، وقال آخرون : هي السّنبلة ، وقيل : هي شجرة التين. والصواب كما قال القرطبي : أن يعتقد أن الله تعالى نهى آدم عن شجرة ، فخالف هو إليها ، وعصى في الأكل منها.
واختلفوا أيضا كيف أكل منها مع الوعيد المقترن بالقرب ، وهو قوله تعالى : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) [البقرة ٢ / ٣٥] ، فقال قوم : أكلا من غير التي أشير إليها ، فلم يتأوّلا النهي واقعا على جميع جنسها ، كأن إبليس غره بالأخذ بالظاهر ، أي أنهما ظنّا أن المراد عين شجرة مخصوصة ، وكان المراد الجنس. وهو
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١ / ٣٠٥ وما بعدها ، أحكام القرآن لابن العربي : ١ / ١٧ وما بعدها ، تفسير الطبري : ١ / ١٨٥