المعروف. الفوم الثوم ، بدليل قراءة ابن مسعود : «وثومها» ، ولاقتران البصل بعده. (أَدْنى) أقل مرتبة ، إما من الدّنو : وهو القرب ، أو من الدّون ، كما تقول : هذا دون ذاك ، أي أقل مقدارا ، والدّنو والقرب يعبر بهما عن قلة المقدار. (مِصْراً) بلدا من البلدان الزراعية. (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ) جعلت ووضعت عليهم. (الذِّلَّةُ) الذّل والهوان. (الْمَسْكَنَةُ) الفقر والحاجة. (وَباؤُ بِغَضَبٍ) رجعوا متلبسين به. (ذلِكَ) أي الضرب والغضب. (بِأَنَّهُمْ) بسبب أنهم فالباء سببية. (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ) كزكريا ويحيى عليهماالسلام. (بِغَيْرِ الْحَقِ) أي ظلما. (يَعْتَدُونَ) يتجاوزون الحدّ في المعاصي. وكرر (ذلِكَ) للتأكيد ، وقصد بالتكرار التعليل ، وهو ردّ إلى علة الجزاء وتأكيد للإشارة إليه ، والباء في (بِما) باء السبب ، أي بعصيانهم ، والعصيان : خلاف الطاعة ، والاعتداء : تجاوز الحدّ في كل شيء.
التفسير والبيان :
واذكروا أيها اليهود إذ قال أسلافكم من قبل : يا موسى ، لا يمكن أن نستمر على طعام واحد ، وهو المنّ والسلوى ـ ومخاطبة اليهود المعاصرين مع أن الجناية من آبائهم دليل على مبدأ تكافل الأمة الواحدة ـ فاطلب لنا من ربك أن يطعمنا مما تنبت الأرض من أطايب البقول التي يأكلها الناس كالنعناع والكرفس والكراث وأشباهها ، وإنما سألوه الدعاء ، لعلمهم أن دعاء الأنبياء أقرب إلى الإجابة من دعاء غيرهم.
فقال موسى متعجبا وموبخا مستنكرا : أتطلبون هذه الأنواع الخسيسة بدل ما هو خير منها وأهنأ ، وهو المنّ والسلوى ، الأول فيه الحلاوة المألوفة ، والثاني أطيب لحوم الطير ، وهما غذاء كامل لذيذ؟ وإذ طلبتم الأدون نفعا وخيرا ، فاهبطوا وانزلوا من التّيه (١) واسكنوا في أي بلد زراعي ، فإن لكم فيه ما طلبتم. وقد كنّوا عن المنّ والسلوى بطعام واحد ، وهما اثنان : لتكرارهما في كل يوم غذاء ، كما تقول لمن يداوم على الصوم والصلاة والقراءة : هو على أمر واحد ، لملازمته ذلك.
__________________
(١) بلاد التّيه : ما بين بيت المقدس إلى قنّسرين ، وهي اثنا عشر فرسخا في ثمانية فراسخ.