قرائن معبرة توضح غاية الحكم ، وتبين سبب التشريع ، وتعرف أسراره ومراميه ، وتساعد على فهم القرآن فهما دقيقا شاملا ، حتى وإن كانت العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب. ونرى في عالمنا. القانوني اليوم ما يسمى بالمذكّرات التوضيحية للقوانين والأنظمة والأحكام ، يبين فيها أسباب إصدارها ، وأهدافها. ويؤكد ذلك أن كل نظام يظل في مستوى الأمور النظرية غير المقنعة كثيرا للناس ، ما لم يقترن بالمتطلبات الواقعية ، أو يرتبط بالحياة العملية.
وكل ما سبق يشير إلى أن شريعة القرآن ليست فوق مستوى الأحداث ، أو أنها سامية مثالية لا تقبل التطبيق ، وإنما هي متعاصرة مع كل زمن ، متفاعلة مع الواقع ، تصف العلاج الحاسم لكل داء عضال من أمراض المجتمع ، وشذوذات الأفراد وانحرافاتهم.
أول القرآن وآخره نزولا :
كان أول ما نزل من القرآن الكريم قول الله تعالى من سورة العلق : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) [العلق ٩٧ / ١ ـ ٥] ، وذلك يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان ، سنة إحدى وأربعين من ميلاده صلىاللهعليهوسلم ، في غار حراء ، حين بدأ الوحي ، بواسطة جبريل الأمين عليهالسلام.
وكان آخر ما نزل من القرآن في أرجح الأقوال ، قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ، ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ ، وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [البقرة ٢ / ٢٨١] ، وذلك قبل وفاته صلىاللهعليهوسلم بتسع ليال بعد ما فرغ من حجّة الوداع ، أخرجه كثيرون عن ابن عباسرضياللهعنهما.
أما ما قيل وروي عن السّديّ : إن آخر ما نزل قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ...) [المائدة ٥ / ٣] ،