يتبين من هذا أن طريقة الجمع اعتمدت على أمرين معا : هما المكتوب في الرقاع والعظام ونحوها ، وحفظ الصحابة للقرآن في صدورهم. واقتصر الجمع في عهد أبي بكر على أنه جمع القرآن في صحف خاصة ، بعد أن كان متفرقا في صحف عديدة ، ولم يكتف زيد بحفظه القرآن ، وإنما اعتمد أيضا على حفظ غيره من الصحابة وهم العدد الكثير الذي يحصل به التواتر ، أي اليقين المستفاد من نقل الجمع الكثير الذي يؤمن في العادة تواطؤهم على الكذب.
الجمع الثالث ـ في عهد عثمان بنسخ المصاحف على خط واحد :
اقتصر دور عثمان بن عفان رضياللهعنه على كتابة ست نسخ من المصاحف على حرف واحد وطريقة واحدة ، ووزعها في الأمصار الإسلامية ، فأرسل ثلاثة منها إلى الكوفة ودمشق والبصرة ، وأرسل اثنين إلى مكة والبحرين ، أو إلى مصر والجزيرة ، وأبقى لديه مصحفا بالمدينة. وأمر بإحراق المصاحف الأخرى المخالفة في العراق والشام فقط. وظل المصحف الشامي محفوظا بجامع دمشق (الجامع الأموي) عند الركن ، شرقي المقصورة المعمورة بذكر الله ، وقد رآه ابن كثير كما ذكر في كتابه (فضائل القرآن) في آخر تفسيره ، إلى أن أصابه الحريق الكبير الذي أصاب المسجد الأموي سنة ١٣١٠ ه ، ورآه قبل الحريق كبار علماء دمشق المعاصرين.
وسبب هذا الجمع يظهر فيما رواه لنا البخاري في فضائل القرآن في الجزء السادس عن أنس بن مالك رضياللهعنه : «أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان ، وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق ، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة ، فقال حذيفة لعثمان :
يا أمير المؤمنين ، أدرك هذه الأمة ، قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى.