من البيان لسحرا ، وإن من العلم جهلا (١) ، وإن من الشعر حكما ، وإن من القول عيالا» أما قوله : «إن من البيان لسحرا» فالرجل يكون عليه الحق ، وهو ألحن بالحجج من صاحب الحق ، فيسحر القوم ببيانه ، فيذهب بالحق. وهذا مذموم. وهو المراد بالحديث في الأصح ، أما السحر الحلال الذي أقره النبي صلىاللهعليهوسلم : فهو أن ينبئ شخص عن حق فيوضحه ، ويجليه بحسن بيانه ، بعد أن كان خفيا.
والسحر : إما حيلة بخفة يد ، وشعوذة ، وإما صناعة وعلم خفي يعرفه بعض الناس.
وهل للسحر حقيقة أم لا؟ اختلف الناس في ذلك (٢).
فرأى جمهور العلماء : أن للسحر حقيقة ، يخلق الله عنده ما شاء ، وأنه تقتدر به النفوس البشرية على التأثير في عالم العناصر ، إما بغير معين ، أو بمعين من الأمور كالكواكب السماوية ، ويرون أن النفوس الساحرة ثلاث مراتب :
الأولى ـ المؤثرة بالهمة فقط من غير آلة ولا معين.
والثانية ـ بمعين من مزاج الأفلاك (أي طبيعتها) ، أو العناصر (الماء والهواء والتراب والنار) ، أو خواص الأعداد ، أي حساب الجمّل ، فلكل حرف من الأحرف الهجائية رقم حسابي معين.
والثالثة ـ تأثير في القوى المتخيلة : بأن يعمد الشخص إلى القوة المتخيلة ،
__________________
(١) ومعنىقوله «من العلم جهلا» أن يتكلف العالم إلى علمه ما لا يعلم فيجهّله ذلك. ومعنى قوله : «إن من الشعر حكما» : هو هذه الأمثال والمواعظ التي يتعظ بها الناس. ومعنى«إن من القول عيالا» هو عرضك كلامك وحديثك على من ليس من شأنه ولا يريده.
(٢) تفسير القرطبي : ٢ / ٤٤ ـ ٤٧ ، تفسير ابن كثير : ١ / ١٤٥ ـ ١٤٧ ، تفسير الكشاف : ١ / ٢٣١ ، البحر المحيط : ١ / ٣٢٧