وحكى القرطبي : (لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ) أي يخاطبنا بنبوتك يا محمد ، قال ابن كثير : وهو ظاهر السياق (١).
التفسير والبيان :
قالت اليهود : عزير ابن الله ، وقالت النصارى : المسيح ابن الله ، وقال المشركون : الملائكة بنات الله ، ولا فرق بين أن يصدر هذا القول من الجميع أو البعض ، فإن أفراد الأمة متكافلون في كل ما يعملون وما يقولون. سبحانه وتعالى تنزيها له عما يدعون ، فليس لله حاجة إلى المعونة ، وله كل ما في السموات والأرض ، الكل خاضع لسلطانه ، منقاد لإرادته. وهو الذي أبدع وابتكر السموات والأرض لا على مثال سبق ، ومالك ما فيهن ، وإذا أراد أمرا أوجده فورا أسرع مما بين حرفي «كن» من غير امتناع. والإيجاد والتكوين من أسرار الألوهية ، عبر عنهما بما يقربهما للفهم بقوله : (كُنْ فَيَكُونُ). وإذا اختار الله بعض خلقه للنبوة أو الرسالة كالرسل والملائكة ، فلا يتجاوز حد مرتبة المخلوق ، ويظل الكل عبيدا لله : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) [مريم ١٩ / ٩٣] فمن كان له ما في السموات والأرض خلقا وملكا ، ومن كان له كل ما في الكون منقاد لأمره ، ومن أبدع السماء والأرض ، ومن له أمر التكوين والإيجاد الفوري ، أيحتاج إلى الولد والوالد؟!
ويؤيد هذه الآية قول الله تعالى عن مشركي العرب : (وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا : لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ ، اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام ٦ / ١٢٤] وقوله تعالى : (وَقالُوا : لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) إلى قوله : (قُلْ : سُبْحانَ رَبِّي ، هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) [الإسراء ١٧ / ٩٠ ـ ٩٣] وقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا : لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٢ / ٩٢ ، تفسير ابن كثير : ١ / ١٦١