وأتمه ، بما لا يدع مجالا للشك لدى طالبي الحق بالدليل والبرهان ، ولديهم الاستعداد للعلم واليقين ، وعندهم الفهم الصحيح بسبب إنصافهم وصفاء نفوسهم ، وبعدهم عن العناد والمكابرة ، وقد كان هذا شأن الصحابة يسألون النّبي صلىاللهعليهوسلم فيما لم يعرفوا دليله ، لمحبتهم الحق ، ووقوفهم عند البينة والدليل ، فهم نماذج المنصفين الموقنين الذين اتبعوا الرسل بقناعة وعقل ، وفهموا ما جاءوا به عن الله تبارك وتعالى.
وأما من ختم الله على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة ، فأولئك قال الله فيهم : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ. وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ ، حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) [يونس ١٠ / ٩٦ ـ ٩٧].
فقه الحياة أو الأحكام :
إن الاستجابة لنداء الإيمان تتطلب إعمال العقل وتفتح الكفر ، وصفاء النفس ، وإدراك حقائق الكون ، ولو إدراكا بسيطا ، وتقتضي تجردا عن الحظوظ النفسية ، والأهواء الشخصية ، وترك العناد. فإذا توافرت هذه الاستعدادات ، تسارع نور الإيمان إلى القلب ، فملأ النفس بهجة وسعادة وطمأنينة : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد ١٣ / ٢٨].
أما نسبة الولد لله فهذا جهل بحقيقة الألوهية التي تمتاز بسمو الاتصاف بشيء فيه نقص من خصال البشر ، ولا تحتاج إلى أحد من الخلق ، فالله هو الأحد الواحد الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد. ولا يكون الولد إلّا من جنس الوالد ، فكيف يكون للحق سبحانه أن يتخذ ولدا من مخلوقاته : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ ، وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ ، إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ ، وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ، سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) [المؤمنون ٢٣ / ٩١] فالولدية تقتضي الجنسية والحدوث ، والقدم يقتضي الوحدانية والثبوت ، فهو سبحانه القديم الأزلي ، الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، كما ذكر.