والإنسان مخير في اختيار الحق والطيّب والتزام جادة الاستقامة ، وترك الباطل والخبيث ، بما أعطاه الله من العقل ، وبما أرشده به من الوحي ، فمن حاد عن ذلك ، فقد ظلم نفسه ، وعرّضها للعذاب والشقاء ، ويكون ذلك سببا لحملة على العذاب ، وإلجائه إليه ، وصب السخط عليه والانتقام منه.
وأما الكلمات التي اختبر الله بها إبراهيم : فهي الوظائف التي كلفه بها ، ولما كان تكليفها بالكلام سميت به ، كما يسمى عيسى بالكلمة ، لأنه صدر عن الكلمة ، وهي كن ، وتسمية الشيء بمقدمته أحد قسمي المجاز.
واختلف العلماء في بيان المراد من الكلمات على أقوال ، منها ما يأتي :
أحدها ـ أنها شرائع الإسلام ، وقد أكملها إبراهيم عليهالسلام ، فما قام أحد بوظائف الدين مثله ، ثم قام بها بعده كثير من الأنبياء عليهمالسلام ، وخصوصا محمدا صلىاللهعليهوسلم. قال ابن عباس: ما ابتلى الله أحدا بهن ، فقام بها كلها إلا إبراهيم عليهالسلام ، ابتلي بالإسلام ، فأتمه ، فكتب الله له البراءة ، فقال : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) [النجم ٥٣ / ٣٧].
الثاني ـ أنها الفطرة التي أقامها الله تعالى فيه. روت عائشة في الصحيح عن النّبيصلىاللهعليهوسلم أنه قال : «عشر من الفطرة : قص الشارب ، وإعفاء اللّحية ، والسواك ، واستنشاق الماء ، وقص الأظفار ، وغسل البراجم (غسل عقد ظهور الأصابع لاجتماع الوسخ فيها) ، وحلق العانة ، ونتف الإبط ، وانتقاص الماء أي الاغتراف منه ، ونسيت العاشرة ، إلا أن تكون المضمضة».
الثالث ـ أنها الكوكب والشمس والقمر ، التي رآها واستدل بأفولها على وجود الله تعالى ووحدانيته. وهذا القول هو الذي فسر به ابن كثير (الكلمات) ثم أورد قول ابن جرير الطبري وحاصله : أنه يجوز أن يكون المراد بالكلمات جميع ما ذكر ، وجائز أن يكون بعض ذلك ، ولا يجوز الجزم بشيء منها أنه أنه المراد على