اصطفاه إذ دعاه إلى الإسلام بما أراه من الأدلة على وحدانية الله ، فما كان منه إلا أن بادر بالانقياد والامتثال ، وقال : أخلصت ديني لله الذي أوجد الخلق ، كما في قوله تعالى : (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً ، وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام ٦ / ٧٩].
ولقد أراد إبراهيم الخير لذريته ، فأوصاهم بالملة الحنيفية ، وكذلك فعل يعقوبعليهماالسلام ، وقالا لهم : إن الله اختار لكم هذا الدين ـ دين الإسلام ، الذي لا يتقبل الله سواه ، فاثبتوا على الإسلام لله ، ولا تفارقوه ، حتى لا تفاجأكم المنية ، وأنتم على غير الدين الحق الذي اصطفاه لكم ربكم. وفي هذا فتح باب الأمل أمام المنحرف ليعود إلى الله ويعتصم بالدين ، قبل الموت.
فانظروا أيها اليهود : هل أنتم تتبعون آباءكم إبراهيم ويعقوب أو لا؟
فقه الحياة أو الأحكام :
تندد هذه الآيات بكل من أعرض عن ملة إبراهيم ـ ملة التوحيد والانقياد والإخلاص لله ، وتوبخ الكافرين الذين كرهوا هذه الملة. وملة الإسلام قديمة دعا لها الأنبياء جميعا ، والإسلام في كلام العرب : الخضوع والانقياد للمسلم إليه ، وليس كل إسلام إيمانا ، لكن كل إيمان إسلام ، لأن من آمن بالله فقد استسلم وانقاد لله ، وليس كل من أسلم آمن بالله ، لأنه قد يتكلم فزعا من السيف ، ولا يكون ذلك إيمانا ، بدليل قوله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ : آمَنَّا ، قُلْ : لَمْ تُؤْمِنُوا ، وَلكِنْ قُولُوا : أَسْلَمْنا) [الحجرات ٤٩ / ١٤] فأخبر الله تعالى أنه ليس كل من أسلم مؤمنا ، فدل على أنه ليس كل مسلم مؤمنا ، فإن الإيمان باطن ، والإسلام ظاهر. وقد يطلق الإيمان بمعنى الإسلام ، والإسلام ويراد به الإيمان ، للزوم أحدهما الآخر وصدوره عنه.
وقال القدرية والخوارج : إن الإسلام هو الإيمان ، فكل مؤمن مسلم ، وكل