أكثر أصحابه من اليهود ، وكانوا يدّعون الإيمان ، فردّ الله عليهم دعواهم ، وأنهم في الحقيقة ليسوا بمؤمنين ، وإن تظاهروا به ، ولا شكّ أنهم بهذا في صورة المخادعين لله ، والله يعلم عنهم ذلك ، فهم أشد ضررا من الكفار ، ولهم في الآخرة عذاب أليم بسبب كذبهم في دعواهم الإيمان بالله واليوم الآخر.
ونظرا لقصور عقولهم تصوّروا أنهم يخدعون الله تعالى ، وهو منزّه عن ذلك ، فإنه لا يخفى عليه شيء ، وهذا دليل على أنهم لم يعرفوه ، ولو عرفوه لعرفوا أنه لا يخدع ، وليس خداعهم إلا وبالا عليهم ، والله قادر على كشف أمرهم للمسلمين.
ومع كل ذلك يأمر الله بإجراء أحكام الإسلام عليهم ، كأنه يخادعهم ، على سبيل المشاكلة والمحاكاة والمشابهة لفعلهم ، وكأن المسلمين حيث امتثلوا أمر الله فيهم مخادعون لهم ، من باب التشبيه والتمثيل ، للإشارة إلى أن المنافقين هم الخادعون المخدوعون.
والصحيح ـ كما قال ابن العربي (١) ـ أن النّبي صلىاللهعليهوسلم لم يقتلهم وأعرض عنهم لمصلحة تألف القلوب عليه ، ومخافة من سوء المقالة الموجبة للتنفير ، لئلا تنفر عنه القلوب ، وقد أشار هو صلىاللهعليهوسلم إلى هذا المعنى ، فقال : «أخاف أن يتحدث الناس أن محمدا صلىاللهعليهوسلم يقتل أصحابه» وهذا كما كان يعطي الصدقة للمؤلفة قلوبهم ، مع علمه بسوء اعتقادهم تألفا لهم.
فقه الحياة أو الأحكام :
إن النفاق مرض خطير ، وإن المنافقين شوكة مؤذية تطعن المجتمع من الداخل ، وكان المتبادر إلى الذهن في تقديرنا أن تستأصل شأفة النفاق
__________________
(١) أحكام القرآن : ١ / ١٢ ، وانظر تفسير القرطبي : ١ / ١٩٨ وما بعدها.