والمنافقين ، حتى ترتاح الدولة منهم ، وكذلك تفعل الدول الآن ، إلا أن للوحي الإلهي والتشريع السماوي حكمة عميقة الأثر ، بعيدة المدى ، تنتظر أحداث المستقبل ، ليظهر للناس قصور علمهم أمام سعة العلم الإلهي ، فكثيرا ما لاقى النّبي صلىاللهعليهوسلم الأذى من المنافقين ولكنه انتصر في النهاية عليهم ، ولعل ذلك من أصدق البراهين التاريخية على أن النفاق واليهودية شيئان متلازمان : لأنه ينشأ عن جبن حقيقي ولؤم طبعي ، فالمنافق يلتوي مع الناس في أقواله وأفعاله ، ويظهر النعومة ، ولكنها السّم الزعاف في الدسم.
وتشير الآيات إلى أن الكذب هو شعار المنافقين ، لذا حذر الله المؤمنين منه أشد التحذير ، فما فشا في أمة إلا كثرت فيها الجرائم ، وشاعت فيها الرذائل ، قال النّبيصلىاللهعليهوسلم : «إياكم والكذب ، فإن الكذب مجانب للإيمان» (١).
وإذا كان الكذب شعار المنافقين ، فإن الصراحة في القول ، والجرأة في العمل الموافق للاعتقاد شعار المؤمنين الصادقين ، الذين يستحقون كل تكريم ، فتكون العظة بإيراد صفات المنافقين أشد أثرا ، وأحكم أمرا للمؤمنين أنفسهم ، إذ امتازوا بالثبات على الحق ، وظل المنافقون في نفاقهم وزاد تمسكهم بما هم عليه ، وأبوا الإيمان ، وأعرضوا عن القرآن ، وازداد مرض قلوبهم ، وتحرقت نفوسهم بعد ما جاءهم البشير النذير ، وعلا مجده وكثر أتباعه ، على ما فاتهم من الزعامة ، وحسدا للنّبي صلىاللهعليهوسلم وصحبه.
__________________
(١) حديث حسن رواه أحمد في مسنده ، وأبو الشيخ في التوبيخ ، وابن لال في مكارم الأخلاق عن أبي بكر.