التفسير والبيان :
هذا في عصر النبوة موقف أو مشهد آخر من مواقف ومشاهد المنافقين من اليهود ، الذين هم كالشياطين ، بل أشد ، وهو موقف لا يحسدون عليه ، لأنه سينكشف الحق قريبا ، وتتجلى الحقيقة ، فإن كل كاذب قليل الإدراك قصير النظر ، لا ينظر إلى المستقبل. فهم إذا خلوا مع بعضهم وزعمائهم تضامنوا معهم ، وقالوا : إنا معكم. وإذا رأوا المؤمنين أعلنوا إيمانهم ، وقد فضح الله أوضاعهم ، ولم يعبأ بهم ، وسيجازيهم أشد الجزاء ، ويزيدهم حيرة وضلالا في أمورهم.
ثم إنهم بإهمالهم العقل في فهم كتاب الله ، وتركهم الطريق المستقيم ، وأدلة صحة هذا الدين حسدا وبغيا ، كأنهم أقدموا على صفقة خاسرة ، ودفعوا الهدى ثمنا للضلال ، وباعوا النور بالكفر وضلالات الأهواء ، فما ربحوا في هذه التجارة ، لما ينتظرهم من عذاب جهنم. قال ابن عباس : «أخذوا الضلالة وتركوا الهدى» أي استبدلوا واختاروا الكفر على الإيمان. وإنما أورده بلفظ الشراء توسعا ، لأن الشراء والتجارة راجعان إلى الاستبدال ، والعرب تستعمل ذلك في كل من استبدل شيئا بشيء.
وأسند الله تعالى الربح إلى التجارة ، على عادة العرب في قولهم : ربح بيعك ، وخسرت صفقتك ، والمعنى ربحت وخسرت في بيعك. وما كانوا مهتدين في اشترائهم الضلالة.
فقه الحياة أو الأحكام :
الجزاء والعقاب واقع على كل من بدل بالإيمان كفرا ، وبالهدى والقرآن والنور والمنهج المستقيم ضلالا وبطلانا وظلاما والتواء ، إذ إن هؤلاء أضاعوا رأس المال وهو ما كان لهم من الفطرة السليمة ، والاستعداد العقلي لإدراك الحقائق. ومن المعلوم أن الناس يصفون التاجر الخاسر الذي ضيع كل رأس ماله ، ولم