لهم هو ليتوبوا ويدخلوا في الإيمان ، لا لزيادة الإثم وللتعذيب ، فيكون الإملاء خيرا لهم ، ولكن علم الله سابقا أن بعضهم لن يعود إلى دائرة الحق والخير والرشاد ، فهؤلاء لهم عذاب مهين.
قال الزمخشري في قوله : (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ) : ما : هذه حقها أن تكتب متصلة ؛ لأنها كافة ، دون الأولى. وهذه جملة مستأنفة تعليل للجملة قبلها ، كأنه قيل : ما بالهم لا يحسبون الإملاء خيرا لهم؟ فقيل : (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً).
فإن قلت : كيف جاز أن يكون ازدياد الإثم غرضا لله تعالى في إملائه لهم؟ قلت : هو علة للإملاء ، وما كل علة بغرض ، فلو قلت : قعدت عن الغزو للعجز والفاقة ، وخرجت من البلد لمخافة الشر ، ليس شيء منها بغرض لك ، وإنما هي علل وأسباب ، فكذلك ازدياد الإثم جعل علة للإمهال وسببا فيه.
فإن قلت : كيف يكون ازدياد الإثم علة للإملاء ، كما كان العجز علة للقعود عن الحرب؟ قلت : لما كان في علم الله المحيط بكل شيء أنهم مزدادون إثما ، فكأن الإملاء وقع من أجله وبسببه ، على طريق المجاز (١).
والخلاصة : إن هذا الإمهال والتأخير ليس عناية من الله بهم ، وإنما هو قد جرى على سنته في الخلق : بأن ما يصيب الإنسان من خير أو شر ، فإنما هو ثمرة عمله. ومن مقتضى هذه السنة العادلة أن يغتر الإنسان بهذا الإمهال ، ويسترسل في فجوره ، فيوقعه ذلك في الإثم ، الذي يترتب عليه العذاب المهين (٢).
ثم بيّن الله تعالى أن المحن والشدائد تظهر صدق الإيمان ، وأنه لا بد من أن
__________________
(١) الكشاف : ١ / ٣٦٤
(٢) تفسير المنار : ٤ / ٢٠٥ ، تفسير المراغي : ٤ / ١٤١