الأمة متكافلة متضامنة فيما بينها في القضايا العامة ، وأنها تؤخذ بجريرة وذنب أفرادها ، إذا كانوا مقرين أفعالهم ولم ينكروها عليهم.
لذا قال تعالى : (وَنَقُولُ : ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) أي النار ، أي سيجازيهم الله على ذلك شر الجزاء ، وإن هذا العذاب المحرق المؤلم بسبب أعمالكم في الدنيا وبما سلف من الذنوب كقتل الأنبياء ، ووصف الله بالفقر ، ومناصرة الكفر وغير ذلك. وأضيف العمل إلى الأيدي ؛ لأن أكثر أعمال الناس تكون بالأيدي ، وللدلالة على أن العذاب بسبب عملهم الصادر منهم حقيقة ، ولتوليهم الفعل ومباشرته ، بل إنهم حاولوا قتل النبيصلىاللهعليهوسلم بإلقاء الجدار عليه في المدينة ، وبدس السم في شاة في خيبر.
وليس هذا العذاب في غير محله ، وإنما هو في غاية العدل والحكمة ؛ لأن الله لا يظلم أحدا ، ولأنه لا يعقل التسوية بين العاصي والطائع ، وبين الكافر والمؤمن ، كما قال تعالى : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ، سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ، ساءَ ما يَحْكُمُونَ) [الجاثية ٤٥ / ٢١]. (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ، ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟) [القلم ٦٨ / ٣٥ ـ ٣٦] (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ ، أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) [ص ٣٨ / ٢٨].
يقال لهم تلك المقالات : (ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ ، ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ، وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) تقريعا وتوبيخا ، وتحقيرا وتصغيرا ، وتبيانا لبشاعة جرائمهم ، وذلك إما في جهنم ، أو عند الموت ، أو عند الحساب ، والقائل إما الله أو الملائكة.
ثم يقول تعالى تكذيبا لليهود أيضا الذين زعموا أن الله عهد إليهم في كتبهم ألا يؤمنوا لرسول ، حتى يكون من معجزاته : أن من تصدق بصدقة من أمته أي قربان ، فتقبلت منه : أن تنزل نار من السماء تأكلها.