كانت بأيسر الأشياء ، وعبر ثانيا بالإصابة إشارة إلى أن السيئة تفرح الأعداء مهما كانت كبيرة وخطيرة (١). والحسنة : المنفعة المادية أو المعنوية مثل صحة البدن والفوز بالغنيمة ، وانتشار الإسلام ، وتألف المسلمين. والسيئة : الفقر والهزيمة والتفرقة.
والمعنى : أنهم متناهون في عداوتكم والحقد عليكم ، فلا توالوهم واجتنبوهم. (وَإِنْ تَصْبِرُوا) على أذاهم (وَتَتَّقُوا) الله في موالاتهم وغيرها (لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) لا يؤثر عليكم احتيالهم ، للإيقاع في المكروه ، (إِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) عالم ، فيجازيهم به ، مثل قوله تعالى : (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) وقوله : (وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ).
سبب النزول :
أخرج ابن جرير الطبري وابن إسحاق عن ابن عباس قال : كان رجال من المسلمين يواصلون رجالا من يهود ، لما كان بينهم من الجوار والحلف في الجاهلية ، فأنزل الله فيهم ، يتهاهم عن مباطنتهم ، تخوف الفتنة عليهم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ) الآية. وروي مثل ذلك عن مجاهد.
المناسبة :
كانت الآيات السابقة في بيان صفات الكافرين من أهل الكتاب والمشركين وعقوباتهم في الآخرة ، وفي بيان أحوال المؤمنين وثوابهم.
وهذه الآيات تحذير للمؤمنين من عقد الصلات والصداقات العميقة مع الكافرين والمنافقين ؛ لأنها تؤدي إلى تسرب الأسرار ، والاطلاع على أحوال المسلمين ، مما تقضي المصلحة بكتمانه ، ويؤدي إلى مخاطر تؤثر على كيان الأمة الإسلامية ، وهذا التحذير في غاية الحكمة والتعقل وحماية المصالح العامة العليا ، شأن كل أمة لا تأتمن على أسرارها إلا خواصها.
__________________
(١) حاشية الكشاف : ١ / ٣٤٦ بتصرف.