خارج المدينة» والله عليم بكل نية وفعل ، سواء من أخلص القول ، وإن أخطأ ، ومن نافق وإن أصاب كعبد الله بن أبي وجماعة المنافقين.
والله أيضا سميع عليم حين همت طائفتان من الأنصار وهم بنو سلمة من الأوس ، وبنو حارثة من الخزرج ـ وكانتا جناحي عسكر المسلمين ونحو ثلثهم ـ أن تضعفا وتجبنا عن القتال ولا تخرجا إلى المعركة ، حين رأوا تراجع المنافقين ، ولكن الله متولي أمورهما لصدق إيمانهما ، فعصمهم من الخذلان والذل ، وحماهم من الجبن والفرار ؛ لأن الهم بالشيء لا يعد معصية بدليل قوله : (وَاللهُ وَلِيُّهُما) وعلى الله فليتوكل المؤمنون ، وليثقوا به ، وليعتمدوا على تأييده ، لا على قوتهم وأنصارهم ، بعد اتخاذ الأسباب ، وإعداد العدة ، وتجهيز الجيش والسلاح الملائم لكل عصر ، فإن الإنسان مأمور باتخاذ الأسباب ، ثم ترك النتائج والمسببات إلى الله تعالى ، فهو تعالى ينصر الفئة القليلة المؤمنة على الفئة الكثيرة بإذنه ، كما نصر المؤمنين يوم بدر.
لذا اقتضى المقام تذكيرهم بنصر الله لهم يوم بدر ، لما توكلوا عليه وامتثلوا أوامره وأوامر نبيه ، وكانوا قليلي العدد والعدد ، إذ كانوا نحو ثلاثمائة والكفار نحو ألف ، وليس معهم سوى فرسين ، ومع المشركين الخيول والدروع والفرسان والأبطال.
فذلك دليل على أن النصر إنما هو من عند الله لا بكثرة العدد والعدد ، وكما قال تعالى يوم حنين : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ، فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً) إلى قوله (غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التوبة ٩ / ٢٥ ـ ٢٧].
فاتقوا الله بطاعته واجتناب محارمه ، والثبات مع رسوله ، والصبر على المشاق ، لتشكروا الله أو لتصيروا شاكرين أو لتعدّوا أنفسكم لشكره ، فإن الطاعة والصبر والثبات عدة الشكر على النعمة والنصر.