(إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا ، نَمُوتُ وَنَحْيا ، وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) أي ما الحياة إلا واحدة وهي حياة الدنيا ، فالبعض يموت ، والبعض يحيا ، وأنه لا إعادة ولا حشر ولا بعث. وبعد أن طعنوا في صحة الحشر ، بنوا عليه الطعن في نبوة هود ، فقالوا :
(إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ، وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ) أي ما هود الذي يدعي النبوة ويثبت البعث إلا مجرد رجل اختلق الكذب على الله ، فيما جاءكم به من الرسالة والإنذار والإخبار بالمعاد ، وما نحن له بمصدقين فيما يدّعي ويزعم.
ولم يجب الله تعالى عما أوردوه من الشبهتين المتقدمتين ، أما كون الرسول بشرا فهو أدعى وألزم للمؤانسة ، وتيسر الأخذ عنه ، ومناقشته ، وتكوين القناعة من أمثالهم عقلا وفكرا ومحاكمة ، فليست القضية مجرد إلزام بالقول. وأما استبعاد الحشر فلضعف عقولهم ، وقصور ميزانهم ؛ لأن العاقل يدرك أنه سبحانه لما كان قادرا على كل الممكنات ، عالما بكل المعلومات ، وجب أن يكون قادرا على الحشر والنشر ، ولأن الإعادة أمر ضروري لإقامة صرح العدالة بين الناس ، فلو لا الإعادة لكان تسليط القوي على الضعيف في الدنيا ظلما ، ولا رادع له ، ولا عقاب عليه ، وهو غير لائق بالحكيم ، لذا قال تعالى : (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) [طه ٢٠ / ١٥].
ولما يئس هود من إيمان قومه بقولهم : (وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ) فزع إلى ربه :
(قالَ : رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ) أي رب انصرني على قومي نصرا مؤزرا بسبب تكذيبهم إياي في دعوتي لهم إلى الإيمان بك وتوحيدك وإثبات لقائك.
فأجاب الله دعاءه :