العبد ذلك وجّه رجاءه إلى الله تعالى ولم يخف إلا منه ، ولم يشغل قلبه إلا برحمته وإحسانه.
وهذا ردّ على الثنوية القائلين بوجود إلهين اثنين للعالم : وهما النور والظلمة ، وعلى عبدة النجوم والكواكب من الصابئة ، وعلى عبدة الأوثان من مشركي العرب الذين كانوا يقولون في تلبية الحج : «لبّيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك».
والصفتان المتقدمتان نزّه الله تعالى نفسه فيهما عن الولد وعن الشريك.
٤ ـ (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) أي أوجد كل شيء مما سواه ، وأحدثه إحداثا راعى فيه التقدير بقدر معين والتسوية بشكل محدد ، وهيأه لما يصلح له من الخصائص والأفعال اللائقة به ، فالإنسان مثلا خلقه الله بشكل مقدر مسوّى في أحسن تقويم ، وأوجد فيه من الحواس والطاقات والإمكانات للإدراك والفهم ، والنظر والتدبير ، واستنباط الصنائع ، ومزاولة الأعمال المختلفة ، وكذلك الحيوان والجماد جاء به على خلقة مستوية مقدرة ، مطابقة لما يراه من الحكمة والمصلحة والتدبير ، ولما قدر له غير منافر أو متجاف عنه. والخلاصة : أنه قدر كل شيء مما خلق بحكمته على ما أراد.
وفسّر ابن كثير الجملة الأخيرة بأن كل شيء مخلوق مربوب لله ، والله هو خالق كل شيء وربه ومليكه وإلهه ، وكل شيء تحت قهره وتدبيره وتسخيره وتقديره.
وبعد أن وصف الله تعالى نفسه بصفات الجلال والعزة والعلو ، أردف ذلك بتزييف مزاعم عبدة الأوثان فقال :
(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ..) إلى قوله : (وَلا نُشُوراً) والمعنى أن تلك الآلهة المزعومة لا تستحق الألوهية لنقصانها من وجوه أربعة هي.