لك ولا نتبعك ، ونتأسى في ذلك بهؤلاء الأراذل السفلة في المجتمع ، فإنهم أراذلنا ، وضعاف الناس ، وفقراء القوم ، ونحن السادة أهل الجاه والثروة والنفوذ!!
وهذه شبهة في نهاية السقوط والضعف ، فإن نوحا عليهالسلام بعث هاديا لجميع الناس ، لا فرق بين غني وفقير ، ووجيه ووضيع ، وحسيب ومغمور ، وسيد ومسود ، ولا يبحث الرسول عادة عن هويات المؤمنين ومنازلهم ، لذا قال :
(قالَ : وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي قال نوح : لا علم لي بأعمال هؤلاء وحرفهم ومهنهم ، ولا أنقب عنهم أو أبحث أو أفحص أمورهم الداخلية ، وإنما ليس لي إلا الظاهر ، فأقبل منهم تصديقهم إياي ، وأترك سرائرهم إلى الله عزوجل ، وحسابهم على ربهم ، لا علي ، كما قال :
(إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ) أي إن كان لهم عمل شيء ، فما حسابهم علي ، وإنما على ربي ، فالله محاسبهم ومجازيهم عليه ، وما أنا إلا منذر ، لا محاسب ولا مجاز ، لو تشعرون ذلك بأن كنتم ذوي شعور مرهف وحس صادق وعقل واع ، ولكنكم تجهلون ، فتنساقون مع الجهل حيث سيّركم ووجهكم.
والقصد من ذلك تبديد شبهتهم ، وإنكار تسمية المؤمن رذلا ، وإن كان أفقر الناس وأوضعهم نسبا ، فإن الغنى غنى الدين ، والنسب نسب التقوى.
ثم ردّ على ما فهم من مطلبهم بإبعاد هؤلاء وطردهم من مجلسه ، فقال : (وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي ليس من شأني ولا من مبدئي ورسالتي طرد هؤلاء الذين آمنوا بربهم واتبعوني وصدقوني ، إنما بعثت نذيرا ، فمن أطاعني واتبعني وصدقني ، كان مني وأنا منه ، سواء كان شريفا أو وضيعا ، جليلا أو حقيرا ، وإني أخوّف من كذبني ولم يقبل مني ، فمن قبل فهو القريب ، ومن رد فهو البعيد.
فلما أفحمهم بجوابه ، لم يجدوا بدا من اللجوء إلى التهديد :