(قالُوا : لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) أي قال قوم نوح له : لئن لم تنته عن دعوتك إيانا إلى دينك ، لنرجمنك بالحجارة. وهذا تخويف منهم بالقتل بالحجارة ، فعندئذ دعا عليهم بعد اليأس من إيمانهم دعوة استجاب الله منه ، بعد أن أذن له ، فقال :
(قالَ : رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ ، فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً ، وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي قال نوح : يا رب ، إن قومي كذبوني في دعوتي إياهم إلى الإيمان بك ، فاحكم بيني وبينهم حكما عدلا تنصر به أهل الحق ، وتهلك أهل الباطل والضلال ، ونجني من العذاب مع من آمن برسالتي وصدق بدعوتي ، كما جاء في آية أخرى : (فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) [القمر ٥٤ / ١٠].
ويلاحظ أنه ليس الغرض من هذا إخبار الله تعالى بالتكذيب ، لعلمه أن الله عالم الغيب والشهادة أعلم ، ولكنه أراد أني لا أدعوك عليهم لإيذائي ، وإنما أدعوك لأجلك ولأجل دينك ، ولأنهم كذبوني في وحيك ورسالتك.
والمراد من هذا الحكم في قوله : (فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً) إنزال العقوبة عليهم ؛ لأنه قال عقبه : (وَنَجِّنِي).
فأجاب الله دعاءه فقال :
(فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ، ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ) أي أنجينا نوحا ومن آمن بدعوته ، فوحد الله وأطاعه ، وهجر عبادة الأصنام ، وأنقذناهم بسفينة مملوءة بالناس والأمتعة وأجناس الحيوان. ثم أغرقنا بعد إنجائهم قومه الآخرين الذين بقوا على كفرهم ، وخالفوا أمره. روي أن الناجين كانوا ثمانين ، أربعين رجلا وأربعين امرأة.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) أي إن في إنجاء المؤمنين