فن من الكلام ، ويتناقضون مع أنفسهم ، فقد يمدحون الشيء بعد أن ذموه ، وبالعكس ، وقد يعظمونه بعد أن استحقروه وبالعكس ، وذلك يدل على أنهم لا يقصدون إظهار الحق ، ولا إعلان الصدق ، فهم قوم خياليون عاطفيون ، أما محمد صلىاللهعليهوسلم فلا يقول إلا الحق ولا يأمر إلا بالصدق ، ويدعو إلى طريق واحد وهو الدعوة إلى الله تعالى ، والترغيب في الآخرة ، والإعراض عن الدنيا غير المفيدة.
٢ ـ (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) أي أن أكثر قولهم الكذب ، فإنهم يتبجحون بأقوال وأفعال لم تصدر عنهم ، وهذا أيضا من علامات الغواة ، فإنهم يرغّبون في الجود ويرغبون عنه ، وينفّرون عن البخل ويصرّون عليه ، ويقدحون في الأعراض لأدنى سبب ، ولا يرتكبون إلا الفواحش ، أما النبي محمد صلىاللهعليهوسلم فعلى خلاف ذلك ، لا يأمر بالشيء إلا وقد فعله ، ولا ينهى عن الشيء إلا وقد اجتنبه ، يأمره ربه بإخلاص العبادة له أولا : (فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ ، فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ) ولا يستثني قرابته من شيء من التكاليف الشرعية أو المدنية أو السياسية : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ). فمنهج الشعراء مخالف لحال النبوة ، فإنها طريقة واحدة لا يتبعها إلا الراشدون ، ودعوة الأنبياء واحدة ، وهي الدعاء إلى توحيد الله وعبادته والترغيب في الآخرة والصدق (١).
ثم استثنى الله تعالى من الشعراء من اتصف بصفات أربع هي الإيمان ، والعمل الصالح ، وذكر الله وتوحيده ، ونصرة الحق وأهله ، فقال :
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ، وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ، وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً ، وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) أي إلا الذين صدقوا بالله ورسوله ، وعملوا الأعمال الصالحة ، وذكروا الله كثيرا في كلامهم أو شعرهم ، ودافعوا عن النبي ودينه وقاوموا الشرك وأهله ، مثل حسان بن ثابت ، وعبد الله بن رواحة ، وكعب بن مالك ،
__________________
(١) البحر المحيط : ٧ / ٤٩.